Encyclopédie de l'Égypte ancienne
موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
Genres
آلات ميكروليتية من الظران.
والواقع أن الصناعة الجفسية منتشرة جدا في مختلف أصقاع الجزائر وتونس. على أن وجود رواسب في كهوف هذه الجهات على شكل طبقات بعضها فوق بعض يسهل لنا تمييز العصور حسب ترتيبها التاريخي، ومن بين هذه المحطات السطحية عدد عظيم يظهر على شكل الأمكنة التي يوجد فيها قواقع «الأسكرجو» وهي عبارة عن تلال ذات أبعاد صغيرة تتكون فيها بقايا المطاهي حول موقد القبيلة، ويشتمل على عدد لا حد له من محار «الأسكرجو» القابل للالتهاب ومعه شظايا مدببة من الظران، كانت تستعمل - بلا شك - لاستخراج محتويات المحار، وأحيانا كان يوجد في هذه التلال من المحار، وفي محطات أخرى جفسية بيض نعام مهشم استعمله الإنسان آنية له، فكانت تحل محل الفخار الذي لم يكن قد عرف بعد.
على أن هذه الصناعات الخاصة بالعصر الحجري القديم الأعلى لم يوجد ما يشبهها في مصر في هذا العصر، وتلك خاصية امتازت بها صناعات مصر في ذلك العهد، وقد كان العالم «دي مرجان» يظن أن الصناعة الموستيرية التي على شاطئ النيل قد امتدت حتى ظهور العصر الحجري الحديث، ولكن اتضح أن ذلك غير صحيح، وقد كان أول من برهن على ذلك العالم «فينار» إذ وجد أن المحطات التي درسها بالقرب من قرية «السبيل» في حوض «كوم أمبو» يرجع تاريخها بلا شك إلى العصر الحجري القديم الأعلى.
ووقوع المحطة على ارتفاع أعلى من مستوى غرين النيل الحديث شاهد على انخفاض المياه، الذي نعلم أنه كان عاما في هذا العصر، وقد سمى «فينار» هذه الصناعة باسم الصناعة السبيلية.
والواقع أن الصناعة الجفسية الحقيقية قد ظهرت في مصر أيضا؛ إذ إنه من الصعب أن يتصور الإنسان الاختفاء التام في وادي النيل لصناعة عظيمة الانتشار في غربه، ظاهرة في شرقه في فلسطين وسوريا، والحقيقة أنه إذا كانت هذه الصناعة نادرة في وادي النيل نفسه، فإنما يرجع ذلك إلى أن السكان كانوا في ذلك الوقت يقتربون من شاطئ النهر وأن الغرين الحديث قد أخفى في معظم الأحيان صناعتهم في هذه الفترة.
ومع ذلك فإن هذه الآثار ترى في الجهات التي بقيت بعيدة عن الفيضانات، وأخيرا عرف أن محطة حلوان المكروليتية وهي التي وجدت فيها آلات على شكل أهلة وشظايا صغيرة وسكاكين ضئيلة الحجم تشبه التي عثر عليها في المحطات الأسكرجونية، ليست من العصر الحجري الحديث، بل من العهد الجفسي الحديث، وعثر كذلك العالم «بوفييه لابيير» منذ بضع سنوات على محطة مماثلة على بعد عدة كيلومترات من شمالي حلوان. وقد وجدت كذلك حديثا بعض أسلحة صغيرة في وادي «المدمود» بالقرب من الأقصر يظهر أنها من صناعة هذا العصر، ولا نزاع في أن قلة الرواسب من الغرين في الأقاليم القاحلة التي تكتنف وادي النيل تضمن لنا العثور على مثل هذه الصناعات، ولذلك تفتح أمامنا مجاهل الصحراء اللوبية مجالا للبحث لا حد له، وفعلا قامت أبحاث كان من نتائجها العثور على مناقش في الفيوم وفي واحة سيوة، وكذلك قام الأمير «كمال الدين حسين» في الأقاليم المجاورة للعيينات برحلة عثر في خلالها على آثار يرجع عهدها إلى الصناعة الجفسية الحقيقية منها آلات على شكل الأهلة وسكاكين صغيرة تماثل ما وجد في حلوان، وقد عثر عليها في غرب مروج نخيل «مرجا» البعيدة، وكذلك عثر «شويبس» و«منشكوف» وغيرهما في خلال بعثة حديثة العهد على مواقد جفسية تحتوى على قطع من قشر بيض النعام مختلطة بآلات من الظران، وهذه المواقد عظيمة الانتشار على الهضبة المترامية الأطراف التي تمتد غرب الواحة البحرية وواحة «الفرافرة»، وكثيرا ما يعثر على مصانع صغيرة مجتمعة حول نقطة ماء راكدة أو جارية كما هو الحال في منخفض عين «دلا» التي تشرف على الأراضي الصخرية التي كان يعيش فيها الإنسان الموستيري منذ عدة قرون.
ويجب هنا أن نذكر صناعة غريبة في بابها ظهرت في إقليم «كوم أمبو» وذلك أنه قد لوحظ على مدرجات - ذات ارتفاعات مختلفة تنبئ عن مستويات متتابعة لبحيرة قديمة قد جف ماؤها - تطور الآلات الموستيرية نحو الانحطاط مثل الصناعة الجفسية نفسها، فأصبحت أشكالها مكروليتية وهندسية، وقد عثر في الصحراء على صخور منقوش عليها بعض صور بشرية وحيوانات ملونة، وهذه الصخور المكتوبة كما يعبر عنها بين العمال في مصر لا تعرف إذا استطعنا أن نقرب بينها وبين تحف الفن المجدلي الجميل التي وجدت على جدران الكهوف، ولنا أن نعدها مظهرا لفن أقل اتقانا ينسب للعصر نفسه، والواقع أن عدم وجود آلات من عصر هذه الرسوم الساذجة يجعل تحديد زمنها من الأمور الصعبة جدا، ولا شك أن الحيوانات الممثلة على هذه الصخور تشعر بأن هذه الجهات كانت معمورة، ومع كل فإننا نعرف أنها كانت مسكونة في العصر التاريخي. ويلاحظ أن الحيوانات التي وجدت مرسومة على هذه الصخور ينسب بعضها إلى أنواع حيوانات لا تزال تعيش إلى الآن في هذه الجهات مثل الغزال، على حين أن البعض الآخر مثل الفيل والخرتيت والزرافة والظباء والنعام قد تقهقر نحو خط الاستواء. أما الجاموس فقد اختفى كله. على أن وجود الكبش بين الحيوانات المستأنسة في العصر الحجري الحديث يجعلنا نعتقد أن هذه الرسوم عملت في زمن حديث، وعلى أية حال فإن هذه الرسوم لو درست درسا علميا مستفيضا لوصلنا إلى ترتيبها حسب نوعها على وجه التقريب.
صور عثر عليها في بعض كهوف من العصر المجدلي.
ولا شك أن بعض هذه الرسوم يرجع إلى العهد الجفسي والبعض الآخر صناعته خشنة ويرجع تاريخه إلى ما بين العصر الحجري القديم وبداية التاريخ، وهناك رسوم أخرى عند محطات عيون الماء يرجع تاريخها إلى العهود الحديثة فمنها ما هو من العصر الفرعوني والعصر الروماني والعصر العربي والوقت الحالي. (2-6) العصر المزيوليتي: الحجري المتوسط
اعتاد بعض علماء علم أصل الشعوب القديمة أن يروا بين الانتقال من العصر الحجري القديم إلى العصر الحجري الحديث فترة انتقال مميزة أطلقوا عليها اسم العصر الحجري المتوسط، والواقع أن واضع هذه التسمية هو العالم «دي مرجان»، على أن هناك جما غفيرا من علماء ما قبل التاريخ لا يعترفون بوجود هذا العصر، بل يعدون العصر الذي يلي العصر الحجري القديم، أو عصر الحجر المهذب هو العصر الحجري الحديث وعصر الحجر المصقول، والذين يعترفون بوجود هذا العصر ينسبون إليه محطة جديدة كشفت حديثا على ساحل الدلتا الغربي في بلدة مرمدة أبو غالب، والظاهر من شكل صناعتها المكروليتية أنها تتفق مع العهد الجفسي الحديث غير أن أشكال الآلات فيها ليست واحدة، فلا توجد بينها الآلات التي على شكل أهلة أو سكاكين صغيرة الحجم، بل عثر فيها على أسلحة صغيرة جدا مدببة على شكل منحت مرهف.
Page inconnue