Encyclopédie de l'Égypte ancienne
موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
Genres
وقد حدثنا «وني» عن نفسه في عهد «تيتي» قائلا: كنت طفلا لا يزال متمنطقا الحزام في عهد الملك «تيتي»، وقد كانت وظيفتي مدير بيت الزراعة، وكنت أشغل وظيفة مدير ضياع القصر الملكي.
وقد تلا حكم «تيتي» عصر غامض ربما كان سببه الاضطراب الذي حدث بعد قتله إذا صدقنا «مانيتون»، وكل ما نعلمه عن هذه الفترة أن قائمة الملوك ب «العرابة» ذكرت لنا اسم ملك خلف «تيتي» لا نعرف عنه شيئا مطلقا وهو «وسر كا رع». على أننا من جهة أخرى عثرنا على نقش من هذا العصر في وادي حمامات لملك يدعي «إتي»، وقد جاء فيه أن موظفا اسمه «فتاح أن كاو» جاء إلى هذه الجهة ومعه 200 من الرماة و200 من الحجاريين ليقطعوا أحجارا لهرم الملك «إتي». وقد ظن بعض المؤرخين أن «وسر كا رع» و«إتي» اسم لملك واحد، ولا نعلم عدد سني حكم هذا الملك، ويحتمل أنه لم يخلف «تيتي»؛ إذ لم يذكره لنا «وني» ضمن الملوك الذين عاش في عهدهم، وبخاصة أنه ذكرهم لنا بالترتيب التاريخي، وربما كان عدم ذكره لسبب لا نعرفه. (1) الملك بيبي الأول
ظهر بعد هذا الغموض على عرش البلاد ملك فتى يدعى «بيبي»، وقط ظل قابضا على زمام الأمور في البلاد بقوة وعزم نحو نصف قرن من الزمان، وهو يعد بحق من أكبر الفراعنة الذين قبضوا على ناصية الحال في مصر في كل عصور تاريخها بحزم ونشاط. حقا إنه لم يترك لنا وثائق تدل على أعماله مثل «رعمسيس الثاني» أو «أحمس الأول»، اللهم إلا نقوش «وني»، ولكنا نستعيض عن ذلك بالآثار التي تركها ونقوش المحاجر والتحف التي خلفها وعظماء الرجال الذين عاشوا في عصره، مما يلقي بعض الضوء على عهده، وما حدث فيه من جليل الأعمال، والظاهر أنه كان محببا إلى أفراد رعيته؛ إذ تسمى الكثير منهم باسمه، وربما كان يشبه في ذلك «تحتمس الثالث»، وإن كان وجه الشبه هنا ضئيلا لبعد ما بينهما من الزمن، ولكن رغم كل هذا فإن دلائل الأمور تنبئ بأن بيبي كان محببا في أعين شعبه، وأنه كان الفرعون النابه بين ملوك أسرته.
وقد عثر له على تمثال آية في دقة الصنع من النحاس، ولا نكون مبالغين إذا قررنا أن دقة صنع هذا التمثال وقربه من الحقيقة تفوق كل ما صنع قبله من التماثيل، حتى التي عثر عليها لخفرع، و«منكاورع»، وهو يعد بلا نزاع من أعظم الكنوز التي عثر عليها علماء الآثار في عصرنا الحالي، وقد كشفه الأثري «كويبل» ومعه تمثال آخر صغير من نفس المعدن، عندما كان يحفر في بلدة «هيراكنبوليس» (الكاب). والظاهر أن التمثالين منسوبان لشخص واحد، وقد ظن بعض علماء الآثار أنهما يمثلان «بيبي الأول» نفسه وابنه الأمير «مرن رع» الذي خلف والده مباشرة، أو يمثل الأمير «نفر كا رع بيبي الثاني»، ولكن الأستاذ «فلندرز بتري» يعتبر أن التمثالين هما للملك بيبي نفسه، وذلك ليترك الخيار لقرينه أن يلبس جسم الملك في حداثة سنه أو في كهولته.
ويظن بعض المؤرخين أن «بيبي» هو ابن الملك «إتي» وبخاصة إذا علمنا أن الملكة «أبوت» أم بيبي لم تكن زوج «تيتي»، ولكن كل ذلك من ضروب التخمين المقبول شكلا، ويمكننا أن نستدل بعض الشيء على نشاط هذا الفرعون خلال حكمه من المباني التي أقامها أو التي أصلحها في طول البلاد وعرضها، ولا نزاع في أن مباني «بيبي» الأصلية قد اختفت بسبب إعادة بنائها في العصور التي تلت، ولكن على الرغم من ذلك نجد بعض بقايا من آثاره لا تزال موجودة. إذ عثر له في تانيس وتل بسطة و«العرابة» ودندرة وقفط على آثار منقوش عليها اسمه. هذا إلى أنه خلف نقوشا على الصخور حتى إقليم بلاد النوبة السفلية.
والظاهر أن «بيبي» لم يكن موفقا في داخلية بيته؛ إذ نجد إشارة في نقوش «وني» إلى أن الملك أمر بمحاكمة زوجته «إمتس» أمام محكمة شكلت خاصة لهذا الغرض، ولكن لا نعلم شيئا خلاف هذه الإشارة، وقد تركنا التاريخ في ظلام حالك عن سبب هذه المحاكمة وكنه الجريمة التي ارتكبتها، ولا يبعد أنها أرادت أن تتآمر على الملك غيرة منها عندما رأت أنه تزوج من اثنتين غيرها كل منهما باسم «مري رع عنخس»، وعلى أية حال فإنا سنظل نجهل السر أبديا أو نعثر على أثر يكشف القناع عن هذا السر الغامض.
وقد كان المكلف بهذه المحاكمة كما ذكرت «وني» وقد لمح لها في نقوشه بكل حذق ومهارة دون أن يحكم على الملكة بالبراءة أو الإجرام، وبعد ذلك لم نسمع عنها في النقوش شرا ولا خيرا، أما زوجتا الملك الأخريين فإنهما كانتا أختين، وقد كانتا كذلك سيدتين عظيمتين من نسل أمير وراثي وحاكم، وكاهن اسمه «خوي» وزوجته «نبت». والظاهر أن أملاك أسرتهم كانت في «العرابة» المدفونة، وقد رزق من كل منهما بوارث للملك، ولا غرابة إذا كنا نجد شقيق هاتين الملكتين الذي ينسب إلى أسرة أمراء بالوراثة قد أثرى ثراء عظيما وأصبح يحمل من ألقاب الدولة أعظمها فكان يحمل «زاو» شقيق الملكتين لقب الحاكم، وكبير القضاة، ووزير ورئيس الملابس الملكية، وحافظ خاتم الفرعون، وغير ذلك من الألقاب في عهد ابن أخته الصغير «بيبي الثاني»، ولما كان «زاو» هذا مدينا لأختيه بالرقي والحظوة التي نالها فإنه أراد أن يعترف لهما بالجميل، وقد نحا في ذلك نحو الطريقة المصرية البحتة، وذلك بإقامة لوحة في «العرابة» أشاد في نقوشها بذكرهما؛ إذ جاء فيها ما يأتي: زوجة الملك، التابعة للهرم المسمى «مري رع يبقي جميلا»، المحبوبة جدا، والمحظوظة جدا، عظيمة الممتلكات، رفيقة «حور» (الملك) أم الملك. وقد كان «مرن رع» هو ابن الملكة «مري رع عنخس الأول»، أما «مرن رع الثانية» فهي التي أنجبت الملك بيبي الثاني «نفر كا رع» الذي عاش طويلا حتى ناهز المائة، وجلس على العرش ما لا يقل عن 94 عاما، وقد ظن بعض المؤرخين أن «مري رع عنخس الأولى» قد توفيت بعد الوضع مباشرة، ولذلك تزوج «بيبي الأول» أختها «مري رع عنخس الثانية»، وقد يكون ذلك صحيحا، كما أنه لا غرابة في خلق ملوك المصريين أن يجمعوا بين الأختين، وقد بنى «بيبي» لنفسه هرما في سقارة، وأطلق عليه اسم «الحسن التأسيس» وهو أكبر من هرم «وناس» ومن هرم «تيتي»، وقد نقشت على جدران حجرة الدفن الداخلية متون مماثلة لما في هرمي «وناس» و«تيتي» وكتابته أقل حجما من كتابة هرم «تيتي»، ويمتاز هذا الهرم بالتفنن في إخفاء حجرة الدفن والعناية بوضع العقبات في طريق الوصول إليها، ولكن رغم كل التحفظات التي بذلت في هذا السبيل فإن اللصوص نفذوا إلى مكان التابوت المصنوع من حجر البازلت وهشموه ومزقوا جثة هذا الفرعون العظيم، هذا فضلا عن أنهم أزالوا كل خرطوش ملكي في الممر المؤدي إلى حجرة الدفن، ومن المحتمل أن هذا التخريب البالغ قد حدث في نهاية هذه الأسرة في الفترة التي كانت الثورة متأججة في البلاد بدرجة أن ذكرى «بيبي» وعظمته لم تقللا من حدتها عند الثوار. غير أن عمل الثوار هذا قد كشف لنا عن طريقة إقامة هذا الهرم؛ إذ نجد جدران جسم الهرم من قشور الحجر الأبيض محشوة بقطع صغيرة من شظايا الجير، بدلا من الكتل الحجرية التي بنيت بها أهرام الجيزة العظيمة كلها، ومن ذلك نعلم أن القصد من بناء الهرم بهذه الكيفية أن يكون ظاهره جميلا، ولا يهم حشوه بعد ذلك من الداخل، وتلك لعمري إحدى علامات الضعف التي أخذت تدب في نواحي المرافق العامة في البلاد رغم قوتها الظاهرة وعظمتها.
وتدل الآثار التي كشف عنها حديثا على أن أشراف البلاد وعظماءها أحد نفوذهم يزداد تدريجا وينالون الحظوة لدى الفرعون، ولم يكن لديهم وسيلة لإظهار سلطانهم وحظوتهم للخلف إلا بتدوينها على مقابرهم التي كانوا يعتقدون أنها ستكون أبدية، وأن السلف سيقرءون عليها أعمالهم العظيمة ومكانتهم الممتازة لدى الفرعون، وتلك ميزة أمتاز بها المصري عن باقي أمم الشرق، ولذلك نجد بصيص ضوء يرسل علينا أشعته من وقت لآخر من الكشوف الأثرية التي تقوم في طول البلاد وعرضها مما خلفه لنا هؤلاء العظماء فيجعلنا نعيش في وسطهم رغم تطاول الآباد والأجيال، فمن أعظم مخلفات هذا العصر النقوش التي تركها لنا «وني» السالف الذكر وقد عاش في عهد أكثر من ثلاثة ملوك، وقص علينا ما كان يقوم به من جليل الأعمال وما ناله في عهد كل فرعون من الرقي، وها هو الآن يحدثنا عن الحوادث التي جرت له في عهد «بيبي الأول». قال: لقد أصبحت كبير بيت الزينة في عهد جلالة «بيبي الأول»، وقد رقاني جلالته إلى رتبة سمير وكاهن أعظم لأوقافه الجنازية (أي لأوقاف هرمه)، وبعد ذلك نصبني جلالته قاضيا لنخن، ورئيسا للمجلس الأعظم للستة. وكان قلبه مفعما بي أكثر من كل خدامه الآخرين، وكنت أحقق في قضاياه وليس معي غير الوزير، بكل تكتم باسم الملك، وكان ذلك خاصا بالحريم الملكي، وكذلك في المحكمة العظيمة للستة؛ وذلك لأني كنت محببا إلى قلب جلالته أكثر من كل أشرافه وأكثر من كل عظمائه ومن كل خدامه الآخرين. (1-1) إهداء تابوت من الملك
ولقد رجوت جلالة سيدي أن يأمر بإحضار تابوت لي من حجر طرة، ولهذا الغرض سمح جلالته بأن يقلع حامل خاتم ملكي ومعه فصيلة من البحارة تحت إمرته لإحضار هذا التابوت من طرة، وقد عاد حامل الخاتم بالتابوت في سفينة عظيمة من سفن البلاط ومعه غطاؤه، واللوحة، وخدتان للباب، والقاعدة الأرضية. على أن هذا لم يفعل قط لخادم آخر لأني كنت في منزلة فائقة في قلب جلالته، وكنت محببا لجلالته، وكان جلالته يميل إلي .
وعلى حين كنت قاضيا، وفم بلدة نخن (أي رئيس مجلس محكمة الستة)، فإن جلالته نصبني سميرا وحيدا، ومدير الأوقاف الملكية، وبهذا التعيين حللت محل أربعة المديرين الآخرين الذين كانوا قبلي هناك، ولقد عملت حتى إن جلالته أثنى علي.
Page inconnue