(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
(رب يسر)
الْحَمد لله الَّذِي جعل الدول مؤيدة بالخلفاء الرَّاشِدين، وَجعل مددهم شَامِلًا بِإِقَامَة الْمُلُوك والسلاطين؛ فهم ظلّ الله فِي أرضه، يأوي إِلَيْهِم كل مظلوم، والزعماء القائمون بمصالح الْأمة على أحسن أَمر محتوم، حمدا كثيرا طيبا؛ إِذْ كَانَ للحمد أَهلا، ونشكره شكر من عرف طَرِيق الطَّاعَة فألفاه سهلا.
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَحده لَا شريك لَهُ، شَهَادَة لَا ينقص عقد إيمَانهَا بعد توكده، وَلَا يخْفض [مجد] اتقانها بعد تشيده.
ونشهد أَن مُحَمَّدًا، عَبده وَرَسُوله، الَّذِي جَاءَ بِالْحَقِّ الْمُبين، صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه وأزواجه إِلَى يَوْم الدّين.
أما بعد: فقد ألفت هَذَا التأريخ الْمُخْتَصر الْمُفِيد، واقتصرت فِيهِ على ذكر الْخُلَفَاء والسلاطين من غير مزِيد.
واستفحت فِيهِ بِذكر مولد سيدنَا مُحَمَّد -[ﷺ]- وَبَعض غَزَوَاته، وَذكرت فِيهِ جمَاعَة من آله وأزواجه ووفاته.
ثمَّ ابتدأت فِيهِ من خلَافَة أبي بكر الصّديق، ثمَّ من بعده خَليفَة بعد خَليفَة على التَّرْتِيب، إِلَى أَن أختم تراجمهم بخليفة وقتنا [الْقَائِم بِأَمْر الله حَمْزَة]
1 / 3
من غير أَن أذكر أمرا يريب، مَا خلا الْخُلَفَاء العبيدية؛ فَإِنِّي أذكرهم بعد ذَلِك، وأسلك فِي تراجمهم طَرِيق من تقدمني من مؤرخي الممالك.
ثمَّ أذكر مُلُوك مصر، من أول السلاطين الأيوبية، إِلَى أَن أصل إِلَى الدولة الأشرفية.
وَهَذَا نَص هَذَا الْكتاب قد بَينته أحسن تَبْيِين، ثمَّ أشرع فِي [ذكر] ذَلِك وَبِاللَّهِ أستعين.
1 / 4
(ذكر مولد النَّبِي -[ﷺ]- على سَبِيل الإختصار:)
قيل: إِنَّه ولد -[ﷺ]- عَام الْفِيل، وَمَات أَبوهُ عبد الله بن عبد الْمطلب - وَاسم عبد الْمطلب شيبَة الْحَمد - غَرِيبا بِالْمَدِينَةِ، قدمهَا ليمتار تَمرا. وَقيل: بل مر بهَا مَرِيضا رَاجعا من الشَّام.
ذكر الْحَافِظ [شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد] الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه، قَالَ:
روى مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَغَيره، أَن عبد الله بن عبد الْمطلب خرج من الشَّام إِلَى غَزَّة فِي عير تحمل تِجَارَات. فَلَمَّا قَفَلُوا مروا بِالْمَدِينَةِ وَعبد الله مَرِيض؛ فَقَالَ: اتخلف عَن أخوالي بني عدي بن النجار: فَأَقَامَ عِنْدهم عدَّة مُدَّة شهر؛ فَبلغ ذَلِك عبد الْمطلب؛ فَبعث [إِلَيْهِ] الْحَارِث - وَهُوَ أكبر وَلَده - فَوَجَدَهُ قد مَاتَ وَدفن فِي دَار النَّابِغَة - أحد بني النجار -، وعمره خمْسا وَعِشْرُونَ سنة - على الْأَصَح - وَعمر النَّبِي -[ﷺ]- ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ شهرا، وَقيل: وَهُوَ فِي بطن أمه - وَهُوَ الْأَصَح -. وَقيل: بعد مولده بِشَهْر.
وَولد -[ﷺ]- عَام الْفِيل لإثنتي عشرَة لَيْلَة خلت من شهر ربيع الأول لعشرين من نيسان.
1 / 5
وَقَالَ الْحَافِظ عَلَاء الدّين مغلطاى: ولد -[ﷺ]- بِمَكَّة، وَتسَمى بكة؛ لِأَنَّهَا تبك أَعْنَاق الْجَبَابِرَة، أَو من الإزدحام، وَقيل: مَكَّة اسْم الْمَدِينَة، وبكة اسْم الْبَيْت.
وَتسَمى أَيْضا: الرَّأْس، وَصَلَاح، وَأم رحم، وكوثا، وَأم الْقرى، والحاطمة، وَالْعرش وطيبة.
وَذكر ابْن دحْيَة فِي بعض تصانيفه أَن لَهَا عشْرين اسْما: [مَكَّة و] بكة وَالْبَيْت الْعَتِيق، وَالْبَيْت الْحَرَام، والأمين، والمأمون، وَأم رحم، [وَأم] [الْقرى]، وَصَلَاح، وَالْعرش - على وزن برش - والقادس - لِأَنَّهَا تطهر من الذُّنُوب - والمقدسة، والناسة - بالنُّون - والنساسة، والباسة - بِالْبَاء -؛ لِأَنَّهَا تبس [أَي تحطم] الملحد فِيهَا. وَقيل: تخرجهم مِنْهَا، والحاطمة، وَالرَّأْس - مثل رَأس الْإِنْسَان - وكوثى - باسم بقْعَة فِيهَا
1 / 6
كَانَت منزل بني عبد الدَّار -، والبلدة - على [مَا ثَبت] فِي الصَّحِيحَيْنِ - وَالْبَيِّنَة - على مَا [ثَبت] أَيْضا - والكعبة؛ وَقيل: هُوَ الْبَيْت نَفسه لَا غير؛ لتكعبه وَهُوَ تربيعه، وكل بِنَاء مربع أَو مُرْتَفع كعبة. يُقَال: كَعْب ثدي الْجَارِيَة إِذا علا فِي صدرها.
وَهُوَ أول بَيت وضع للنَّاس على وَجه الأَرْض بِصَرِيح الْقُرْآن [الْعَظِيم]، وَبعده الْأَقْصَى، ومدينة مصر، والحيرة، والأبلة أشهر، انْتهى.
ونعود إِلَى كَلَام الْحَافِظ مغلطاى، قَالَ: ومولده فِي الدَّار الَّتِي كَانَت لمُحَمد ابْن يُوسُف أخي الْحجَّاج. إنتهى [كَلَام مغلطاى] .
وَيُقَال: بِالشعبِ، وَيُقَال: بالردم، وَيُقَال: بعسفان.
وَفِي تِلْكَ السّنة انْشَقَّ إيوَان كسْرَى، وَسَقَطت مِنْهُ أَربع عشرَة شرفة، وخمدت نَار فَارس، وَلم تخمد قبل ذَلِك بِأَلف عَام، وغاضت بحيرة ساوة.
وَذكر يَعْقُوب عَن ابْن عَبَّاس: أَنه ولد -[ﷺ]- يَوْم الأثنين، وَخرج من مَكَّة يَوْم الأثنين، [وَدخل الْمَدِينَة يَوْم الأثنين] .
1 / 7
وَولد لثمان عشرَة لَيْلَة من شهر ربيع الأول. وَقيل لسبع عشرَة [لَيْلَة] . وَقيل: لثمان بَقينَ مِنْهُ. وَقيل: فِي أَوله، [وَقيل]: لليلتين خلتا مِنْهُ حِين طلع الْفجْر [من] يَوْم أرسل الله الأبابيل [وَهِي الْجَمَاعَات - وَاحِدهَا إبول - وَقيل: لَا وَاحِد لَهَا] على أهل الْفِيل.
وَقيل فِي وِلَادَته غير ذَلِك من الْأَقْوَال الَّتِي يضيق هَذَا الْمُخْتَصر عَن ذكرهَا.
وَذكر أَن أَبْرَهَة الأشرم كَانَ بنى بِالْيمن كَنِيسَة يُقَال لَهَا الْقليس، وَأَرَادَ أَن يصرف حج النَّاس إِلَيْهَا؛ فَخرج رجل من كنَانَة فأحدث فِيهَا؛ فَغَضب أَبْرَهَة وَحلف ليسيرن إِلَى بَيت الْعَرَب فيهدمه؛ فقدموا مَكَّة يَوْم الْأَحَد لخمس لَيَال خلون من الْمحرم، وَقيل: لثلاث عشرَة.
1 / 8
فَلَمَّا وجهوا الْفِيل للكعبة، امْتنع من ذَلِك حَتَّى وخزوه بالأسنة، وَهُوَ لَا يَتَحَرَّك من مَكَانَهُ إِلَّا إِلَى جِهَة غير الْبَيْت؛ فَأرْسل الله عَلَيْهِم طيرا من الْبَحْر - أَمْثَال الخطاطيف والبلسان، وَقيل فِي صفتهَا غير ذَلِك - مَعَ كل طَائِر ثَلَاثَة أَحْجَار: حجر فِي منقاره، وحجران فِي رجلَيْهِ مِثَال الحمص والعدس، لَا تصيب أحدا مِنْهُم إِلَّا هلك، وَلَيْسَ كلهم أَصَابَت.
وَقيل: ولد بعد الْفِيل بِشَهْر، وَقيل: بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقيل: بشهرين وَسِتَّة أَيَّام، وَقيل: بِعشْرين [سنة]، وَقيل: بِثَلَاثِينَ [سنة]، وَقيل: بِأَرْبَعِينَ [سنة]، وَقيل: بسبعين [سنة]، وَقيل غير ذَلِك، مختونا، مَسْرُورا، مَقْبُوضَة أَصَابِع يَده، مُشِيرا بالسبابة كالمسبح بهَا.
وَقيل: إِن جده ختنه [يَوْم سابعه، وَقيل: جِبْرَائِيل، وَسَماهُ مُحَمَّدًا - قالته أمه - وَقيل: إِن جده سَمَّاهُ] .
1 / 9
وَاخْتلف فِي مُدَّة الْحمل بِهِ؛ فَقيل: تِسْعَة أشهر، وَقيل: ثَمَانِيَة، وَقيل: سَبْعَة، وَقيل: سِتَّة.
وَلما شاع قبل وِلَادَته أَن نَبيا اسْمه مُحَمَّد - هَذَا إبان ظُهُوره - سمى جمَاعَة أَبْنَاءَهُم مُحَمَّدًا؛ رَجَاء أَن يكون هُوَ.
مِنْهُم: مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع، مُحَمَّد بن أحيحة بن الجلاح، مُحَمَّد بن حمْرَان، وَمُحَمّد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ - وَفِيه نظر - مُحَمَّد بن الْبكْرِيّ، مُحَمَّد بن الْخُزَاعِيّ السّلمِيّ، مُحَمَّد بن عدي بن [ربيعَة بن سعد] الْمنْقري، مُحَمَّد الأسيدي، مُحَمَّد العقيمي، مُحَمَّد بن عتوارة اللَّيْثِيّ، مُحَمَّد بن حرماز الْعمريّ، مُحَمَّد بن خولي الْهَمدَانِي، مُحَمَّد بن يزِيد بن ربيعَة، مُحَمَّد بن أُسَامَة بن مَالك.
وَأول من أَرْضَعَتْه بعد أمه ثويبة - مولاة عَمه أبي لَهب - وأرضعت مَعَه عَمه حَمْزَة، ثمَّ أَرْضَعَتْه بعْدهَا حليمة السعدية.
وَلما ترعرع أحضرته إِلَى أمه.
1 / 10
وَلما بلغ من الْعُمر سِتّ سِنِين مَاتَت أمه [آمِنَة] وَبَقِي فِي حجر جده عبد الْمطلب.
وَلما بلغ ثَمَان سِنِين وشهرين وَعشرَة أَيَّام توفّي جده عبد الْمطلب، وَقَامَ بكفالته عَمه أَبُو طَالب.
وَلما بلغ ثَلَاثَة عشر سنة خرج مَعَ عَمه إِلَى الشَّام. فَلَمَّا رَآهُ بحيرا الراهب قل: هَذَا رَسُول الله -[ﷺ]- أرْسلهُ رَحْمَة للْعَالمين. ثمَّ قَالَ لِعَمِّهِ: أَتُحِبُّهُ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَارْجِع بِهِ لِئَلَّا يقْتله الْيَهُود؛ فَرجع بِهِ.
ثمَّ تزوج بخديجة وَهُوَ ابْن خمس وَعشْرين سنة وشهرين وَعشرَة أَيَّام. وَلما بلغ أَرْبَعِينَ سنة بَعثه الله [تَعَالَى] إِلَى الْأسود والأحمر، نَاسِخا بِشَرِيعَتِهِ سَائِر الشَّرَائِع.
وَلما بلغ خمسين سنة توفّي عَمه أَبُو طَالب، ثمَّ توفيت زَوجته خَدِيجَة بعد عَمه أبي طَالب بِثَلَاثَة أَيَّام. وَوجد النَّبِي -[ﷺ]-[عَلَيْهِمَا] كثيرا.
ثمَّ هَاجر -[ﷺ]-[إِلَى الْمَدِينَة] من مَكَّة وعمره ثَلَاث وَخَمْسُونَ سنة، لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى.
1 / 11
وَأقَام بِالْمَدِينَةِ سَبْعَة عشر شهرا يصلونَ إِلَى جِهَة بَيت الْمُقَدّس، ثمَّ تحولت الصَّلَاة إِلَى الْكَعْبَة يَوْم الثُّلَاثَاء منتصف شعْبَان، فِي صَلَاة الظّهْر، وَفرض صَوْم [شهر] رَمَضَان.
1 / 12
(ذكر أَسْمَائِهِ -[[ﷺ]]-)
هُوَ: الْمُصْطَفى، الماحي، الحاشر، العاقب، المقفى، الشَّهِيد، الْمُصدق، النُّور، الْمُسلم، العَبْد، الدَّاعِي، الإِمَام، الْهَادِي، المُهَاجر، البشير، النذير، السراج، الْمُنِير، الْأمين، الذاكر، الْمُذكر، [الْعَامِل]، الْمَنْصُور، أذن الْخَيْر، المزمل، المدثر، طه، يسن، خَاتم النَّبِيين، رؤوف، رَحِيم، الصاحب، الشَّفِيع، المشفع، المتَوَكل، الْمُبَارك، الرَّحْمَة، الْآمِر، الناهي، الطّيب، الْكَرِيم، الْمُحَلّل، الْمحرم، الْوَاضِع، الرافع، المجير، قَاسم، نَبِي التَّوْبَة، نَبِي الملحمة، عبد الله، أَحْمد، مُحَمَّد.
قَالَ ابْن دحْيَة: أسماؤه تقرب من ثلثمِائة، وانْتهى بهَا بعض المتصوفة إِلَى ألف.
ويكنى: أَبَا الْقَاسِم، وَأَبا إِبْرَاهِيم.
وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله - الذَّبِيح - بن عبد الْمطلب -[واسْمه شيبَة] [الْحَمد]- بن هَاشم -[واسْمه عَمْرو]- بن عبد منَاف -[واسْمه الْمُغيرَة]- بن قصي -[واسْمه زيد]- بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن
1 / 13
لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة - واسْمه عَامر - بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان.
[وعدنان] من ولد إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم - صلى الله عَلَيْهِمَا -[وعَلى نَبينَا] [وَسلم] .
وَهَذَا النّسَب بِإِجْمَاع النَّاس، لَكِن اخْتلفُوا فِيمَا بَين عدنان و[بَين] إِسْمَاعِيل من الْآبَاء؛ فَقيل: بَينهمَا: تِسْعَة آبَاء، وَقيل: سَبْعَة، [وَقيل مثل ذَلِك عَن] جمَاعَة، لَكِن اخْتلفُوا فِي أَسمَاء بعض الْآبَاء. وَقيل: بَينهمَا خَمْسَة عشر [أَبَا]، وَقيل: بَينهمَا أَرْبَعُونَ [أَبَا] وَهُوَ بعيد.
وَقد ورد ذَلِك عَن طَائِفَة من الْعَرَب. وَأما عُرْوَة بن الزبير فَقَالَ: مَا وجدنَا من يعرف مَا وَرَاء عدنان وَلَا قحطان إِلَّا تحرصا.
1 / 14
(أَسمَاء أَعْمَامه وعماته:)
فالأعمام [هم] الْحَارِث، وَأَبُو طَالب - واسْمه عبد منَاف، وَقيل: اسْمه كنيته - وَهُوَ شَقِيق عبد الله -[وَالزُّبَيْر]، وَعبد الْكَعْبَة، والمقوم - وَيُقَال هما وَاحِد - وحجل - واسْمه الْمُغيرَة - والغيداق -[وَيُقَال: هما وَاحِد - وَقثم - وَمِنْهُم من أسْقطه - ونزار، وَأَبُو لَهب - واسْمه عبد الْعُزَّى]-، وكنى بذلك لجماله وَصَارَ فِي الآخر لمَاله.
وعماته: صَفِيَّة، وعاتكة، وأروى - أسلمن، وَفِي ذَلِك خلاف إِلَّا صَفِيَّة - وَأُمَيْمَة، [وبره]، وَأم حَكِيم.
وَسبب تَسْمِيَة عبد الله بالذبيح: أَن أَبَاهُ أَمر فِي مَنَامه بِحَفر زَمْزَم - وَسميت زَمْزَم لِأَنَّهَا زمت بِالتُّرَابِ، وَقيل: لزمزمة [المَاء] فِيهَا - فمنعته قُرَيْش من ذَلِك.
وَلم يكن لعبد الْمطلب يَوْم ذَاك من الْوَلَد إِلَّا الْحَارِث؛ فَنَذر عبد الْمطلب لَئِن ولد لَهُ عشرَة لينحرن أحدهم عِنْد الْكَعْبَة لله.
فَلَمَّا بلغُوا ذَلِك ضرب عَلَيْهِم القداح؛ فَخرج الْقدح على عبد الله - وَهُوَ أَصْغَر بنيه - قَالَه ابْن إِسْحَاق.
1 / 15
وَالصَّوَاب: بني أمه، وَإِلَّا فحمزة وَالْعَبَّاس كَانَا أَصْغَر مِنْهُ.
فَلَمَّا جَاءَ الْقدح على عبد الله أمرت عبد الْمطلب إمرأة كاهنة بالحجاز تسمى سجَاح - وَقيل: قُطْبَة - أَن يضْرب عَلَيْهِ وعَلى إبل بِالْقداحِ، فَكَانَ عبد الْمطلب يضْرب على عشرَة بعد عشرَة، وَهِي تخرج عَلَيْهِ حَتَّى بلغت مائَة؛ فَخرجت عَلَيْهَا ثَلَاثًا؛ فنحرها عَنهُ، فَكَانَ أول من سنّ الدِّيَة [مائَة] . وَقيل: سنّ ذَلِك القلمس، وَقيل: أَبُو سيارة.
1 / 16
(نبذة من غَزَوَاته)
وَلما كَانَت السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة فِي شهر رَمَضَان لسبع عشرَة لَيْلَة خلت مِنْهُ كَانَت غَزْوَة بدر، وَهِي الْغَزْوَة الْكُبْرَى الَّتِي أظهر الله فِيهَا الْإِسْلَام.
قَالَ ابْن إِسْحَاق: سمع النَّبِي -[ﷺ]- أَن أَبَا سُفْيَان: [بن حَرْب] قد أقبل من الشَّام فِي عير لقريش وتجارة عَظِيمَة، فِيهَا [ثَلَاثُونَ أَو] أَرْبَعُونَ رجلا من قُرَيْش مِنْهُم: مخرمَة بن نَوْفَل وَعَمْرو بن الْعَاصِ؛ فَقَالَ النَّبِي -[ﷺ]-: «هَذِه عير قُرَيْش فِيهَا أَمْوَالهم؛ فاخرجوا إِلَيْهَا لَعَلَّ الله ينفلكموها»؛ فَانْتدبَ النَّاس، فخف بَعضهم وَثقل بَعضهم ظنا مِنْهُم أَن النَّبِي -[ﷺ]- لَا يلقى حَربًا.
واستشعر أَبُو سُفْيَان؛ فَجهز منذرا إِلَى قُرَيْش يستنفرهم إِلَى أَمْوَالهم؛ فَأَسْرعُوا الْخُرُوج، وَلم يتَخَلَّف من أَشْرَافهم أحد إِلَّا أَبَا لَهب، بعث مَكَانَهُ الْعَاصِ أَخا أبي جهل.
وَكَانَت قُرَيْش تِسْعمائَة وَخمسين رجلا، فيهم مائَة فَارس.
وَكَانَت عدَّة أَصْحَاب رَسُول الله -[ﷺ]- ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة عشر رجلا، وَلم
1 / 17
يكن فيهم إِلَّا فرسَان: فرس لِلْمِقْدَادِ واسْمه سبْحَة -[مصدر من السباحة، وَهِي العوم]-[سمى بذلك لحسن] سيره -، وَفرس لمرثد بن أبي مرْثَد الغنوي. قيل: وَفرس للزبير. والتقى الْجَمْعَانِ.
وَبعث الله تَعَالَى جِبْرِيل ﵇ فِي نفر من الْمَلَائِكَة؛ فَانْهَزَمَ الْمُشْركُونَ، وَقتل مِنْهُم سَبْعُونَ رجلا من صَنَادِيدهمْ، مِنْهُم: أَبُو جهل، وَشَيْبَة وَعتبَة - إبنا ربيعَة - وَأُميَّة بن خلف.
وَأسر مِنْهُم سَبْعُونَ [رجلا] أَيْضا مِنْهُم: الْعَبَّاس عَم النَّبِي -[ﷺ]-.
وَلم يستشهد من الْمُسلمين غير أَرْبَعَة عشر رجلا. [إنتهى ذكر غَزْوَة بدر بِاخْتِصَار] .
1 / 18
(وَفِي هَذِه السّنة ولد النُّعْمَان بن بشير، وَهُوَ أول مَوْلُود ولد فِي الْإِسْلَام من الْأَنْصَار.
وفيهَا أَيْضا ولد عبد الله بن الزبير، وَهُوَ أول مَوْلُود ولد فِي الْإِسْلَام من الْمُهَاجِرين.
1 / 19
(ذكر نبذة من غَزْوَة أحد)
وَاقع نَبِي الله -[ﷺ]- فِي يَوْم السبت لإحدى عشرَة لَيْلَة مَضَت من شَوَّال سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة.
وَكَانَ من أمرهَا: أَن قُريْشًا اجْتَمعُوا فِي ثَلَاثَة آلَاف، مِنْهُم سَبْعمِائة دارع، وَفِيهِمْ مِائَتَا فَارس، وَقَائِدهمْ أَبُو سُفْيَان بن حَرْب، وَمَعَهُ [زَوجته] هِنْد فِي نسَاء مَعَهُنَّ الدفوف يضربن بهَا وينحن على قَتْلَى بدر.
وَسَار إِلَيْهِم رَسُول الله -[ﷺ]- فِي ألف رجل.
فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الطَّرِيق رَجَعَ عبد الله بن أبي بن سلول - الْمُنَافِق - فِي ثلث النَّاس.
ثمَّ التقى الْفَرِيقَانِ، وَلم يكن مَعَ أَصْحَاب رَسُول الله -[ﷺ]- سوى فرسين.
وَكَانَ على ميمنة الْمُشْركين خَالِد بن الْوَلِيد، وعَلى ميسرتهم عِكْرِمَة بن أبي جهل، ووقفت النِّسَاء خلفهن يضربن بِالدُّفُوفِ وينحن.
1 / 20
وَكَانَت راية النَّبِي -[ﷺ]- يَوْم أحد مِرْطًا أسود لعَائِشَة، وَرَايَة الْأَنْصَار يُقَال لَهَا الْعقَاب، وعَلى ميمنته عَليّ - كرم الله وَجهه -، وعَلى ميسرته الْمُنْذر بن عَمْرو السَّاعِدِيّ، وَالزُّبَيْر بن الْعَوام على الرِّجَال - وَيُقَال الْمِقْدَاد بن الْأسود -.
وَكَانَ حَمْزَة [﵁] على الْقلب، واللواء مَعَ مُصعب بن عُمَيْر؛ فَقتل؛ فَأعْطَاهُ النَّبِي -[ﷺ]- لعَلي.
وَأخذ رَسُول الله -[ﷺ]- سَيْفا وَقَالَ: من يَأْخُذ مني هَذَا بِحقِّهِ؛ فبسطوا أَيْديهم، وَصَارَ كل مِنْهُم يَقُول: أَنا، أَنا؛ فَقَالَ: من يَأْخُذهُ؟ ﴿فأحجم الْقَوْم؛ فَقَالَ لَهُ أَبُو دُجَانَة [سماك]: أَنا آخذه بِحقِّهِ.
قَالَ: فَأَخذه ففلق هام الْمُشْركين بِهِ. أخرجه مُسلم.﴾ !
وَانْهَزَمَ الْمُشْركُونَ؛ فطمع الْمُسلمُونَ فِي الْغَنِيمَة؛ فاختلوا عَن مواقفهم؛ فَأتى خَالِد بن الْوَلِيد من خلف الْمُسلمين، وَوَقع الصَّارِخ
1 / 21
بِأَن مُحَمَّدًا قد قتل؛ فانكشف الْمُسلمُونَ، وَأصَاب الْعَدو فيهم؛ فَكَانَت عدَّة الشُّهَدَاء من الْمُسلمين سَبْعُونَ رجلا، مِنْهُم: حَمْزَة عَم النَّبِي -[ﷺ]- وَمصْعَب بن عُمَيْر، وحَنْظَلَة بن [أبي] عَامر - غسيل الْمَلَائِكَة -، واليمان وَالِد حُذَيْفَة.
وَوصل الْعَدو إِلَى رَسُول الله -[ﷺ]- وأصابته حجارتهم، وَأُصِيبَتْ رباعيته، وشج وَجهه -[ﷺ]- فَكَانَ يمسحه وَيَقُول: «كَيفَ يفلح قوم فعلوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى رَبهم»؛ فَنزل قَوْله تَعَالَى: ﴿لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء﴾ الْآيَة.
وَشقت هِنْد بطن حَمْزَة ومضغت كبده. ثمَّ سَار الْمُشْركُونَ إِلَى مَكَّة. وَصلى رَسُول الله -[ﷺ]- على عَمه حَمْزَة؛ فَكبر سبع تَكْبِيرَات، وأتى بالقتلى يوضعون إِلَى جَانِبه، فَيصَلي عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم، حَتَّى صلى عَلَيْهِ إثنين وَسبعين صَلَاة، ثمَّ أَمر بدفن حَمْزَة؛ فَدفن.
وَرجع رَسُول الله -[ﷺ]- إِلَى الْمَدِينَة.
[إنتهى الْكَلَام فِي غَزْوَة أحد بِاخْتِصَار] .
1 / 22