Exhortation des Croyants tirée de Revivification des Sciences de la Religion

Ibn Muhammad Jamal Din Qasimi d. 1332 AH
31

Exhortation des Croyants tirée de Revivification des Sciences de la Religion

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

Chercheur

مأمون بن محيي الدين الجنان

Maison d'édition

دار الكتب العلمية

تَمْيِيزُ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ: مَا تَقَدَّمَ يَشْتَمِلُ عَلَى فَرَائِضَ وَسُنَنٍ وَهَيْئَاتٍ ; فَالسُّنَنُ مِنَ الْأَفْعَالِ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَعِنْدَ الْهُوِيِّ إِلَى الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَالْجِلْسَةِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَالتَّوَرُّكُ وَالِافْتِرَاشُ هَيْئَاتٌ تَابِعَةٌ لِلْجِلْسَةِ، وَتَرْكُ الِالْتِفَاتِ هَيْئَةٌ لِلْقِيَامِ وَتَحْسِينٌ لِصُورَتِهِ. وَالسُّنَنُ مِنَ الْأَذْكَارِ: دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذُ وَقَوْلُ آمِينَ وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ وَتَكْبِيرَاتُ الِانْتِقَالَاتِ وَالذِّكْرُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - وَالدُّعَاءُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ ; هَذِهِ السُّنَنُ وَمَا عَدَاهَا فَهُوَ وَاجِبٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ كَالْإِنْسَانِ، فَرُوحُهَا وَحَيَاتُهَا أَعْنِي الْخُشُوعَ وَحُضُورَ الْقَلْبِ وَالْإِخْلَاصَ كَرُوحِ الْإِنْسَانِ وَحَيَاتِهِ، وَأَرْكَانُهَا تَجْرِي مِنْهَا مَجْرَى قَلْبِهِ وَرَأْسِهِ وَكَبِدِهِ إِذْ يَفُوتُ وُجُودُ الصَّلَاةِ بِفَوَاتِهَا كَمَا يَنْعَدِمُ الْإِنْسَانُ بِعَدَمِهَا، وَالسُّنَنُ تَجْرِي مِنْهَا مَجْرَى الْيَدَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مِنْهُ فَهِيَ لَا تَفُوتُ الْحَيَاةَ بِفَوَاتِهَا وَلَكِنْ يَصِيرُ الْمَرْءُ بِفَقْدِهَا مُشَوَّهَ الْخِلْقَةِ مَذْمُومًا، وَالْهَيْئَاتُ تَجْرِي مِنْهَا مَجْرَى أَسْبَابِ الْحُسْنِ مِنَ الْحَاجِبَيْنِ وَاللِّحْيَةِ وَالْأَهْدَابِ وَحُسْنِ اللَّوْنِ وَنَحْوِهَا، فَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ مِنَ الصَّلَاةِ كَانَ كَمَنْ أَهْدَى إِلَى مَلِكٍ مِنَ الْمُلُوكِ عَبْدًا مَقْطُوعَ الْأَطْرَافِ، فَالصَّلَاةُ قُرْبَةٌ وَتُحْفَةٌ تَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى حَضْرَةِ مَلِكِ الْمُلُوكِ كَوَصِيفَةٍ يُهْدِيهَا طَالِبُ الْقُرْبَةِ مِنَ السَّلَاطِينِ إِلَيْهِمْ، وَهَذِهِ التُّحْفَةُ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ ﷿ ثُمَّ تُرَدُّ عَلَيْكَ يَوْمَ الْعَرْضِ الْأَكْبَرِ، فَإِلَيْكَ الْخِيَرَةَ فِي تَحْسِينِ صُورَتِهَا وَتَقْبِيحِهَا، فَإِنْ أَحْسَنْتَ فَلِنَفْسِكَ وَإِنْ أَسَأْتَ فَعَلَيْهَا. بَيَانُ الشُّرُوطِ الْبَاطِنَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ اشْتِرَاطُ الْخُشُوعِ وَحُضُورِ الْقَلْبِ: اعْلَمْ أَنَّ أَدِلَّةَ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [طه: ١٤] وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَالْغَفْلَةُ تُضَادُّ الذِّكْرَ، فَمَنْ غَفَلَ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ كَيْفَ يَكُونُ مُقِيمًا لِلصَّلَاةِ لِذِكْرِهِ؟ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) [الْأَعْرَافِ: ٢٠٥] نَهْيٌ وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) [النِّسَاءِ: ٤٣] تَعْلِيلٌ لِنَهْيِ السَّكْرَانِ، وَهُوَ مُطَّرِدٌ فِي الْغَافِلِ الْمُسْتَغْرِقِ الْهَمَّ بِالْوَسْوَاسِ وَأَفْكَارِ الدُّنْيَا، وَقَوْلُهُ ﷺ: «إِنَّمَا الصَّلَاةُ تَمَسْكُنٌ وَتَوَاضُعٌ» حَصْرٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَكَلِمَةِ «إِنَّمَا» لِلتَّحْقِيقِ وَالتَّوْكِيدِ، وَقَوْلُهُ ﷺ: «مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا» وَصَلَاةُ الْغَافِلِ لَا تَمْنَعُ مِنَ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَقَالَ ﷺ: «كَمْ مِنْ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صَلَاتِهِ التَّعَبُ وَالنَّصَبُ» وَمَا أَرَادَ بِهِ إِلَّا الْغَافِلَ. وَقَالَ ﷺ: «لَيْسَ لِلْعَبْدِ مِنْ صَلَاتِهِ إِلَّا مَا عَقَلَ مِنْهَا» وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مُنَاجٍ رَبَّهُ ﷿ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ، وَالْكَلَامُ

1 / 34