Exhortation des Croyants tirée de Revivification des Sciences de la Religion

Ibn Muhammad Jamal Din Qasimi d. 1332 AH
131

Exhortation des Croyants tirée de Revivification des Sciences de la Religion

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

Chercheur

مأمون بن محيي الدين الجنان

Maison d'édition

دار الكتب العلمية

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: " مَنْ لَاحَظَ الْإِخْوَانَ وَمَارَاهُمْ قَلَّتْ مُرُوءَتُهُ، وَذَهَبَتْ كَرَامَتُهُ ". وَقَالَ غَيْرُهُ: " إِيَّاكَ وَمُمَارَاةَ الرِّجَالِ فَإِنَّكَ لَنْ تَعْدِمَ مَكْرَ حَلِيمٍ أَوْ مُفَاجَأَةَ لَئِيمٍ ". قَالَ " الحسن ": " لَا تُشْتَرَى عَدَاوَةُ رَجُلٍ بِمَوَدَّةِ أَلْفِ رَجُلٍ ". وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَلَا بَاعِثَ عَلَى الْمُمَارَاةِ إِلَّا إِظْهَارُ التَّمَيُّزِ بِمَزِيدِ الْعَقْلِ وَالْفَضْلِ، وَاحْتِقَارُ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ بِإِظْهَارِ جَهْلِهِ، وَهَذَا يَشْتَمِلُ عَلَى التَّكَبُّرِ وَالِاحْتِقَارِ وَالْإِيذَاءِ وَالشَّتْمِ بِالْحُمْقِ وَالْجَهْلِ، وَلَا مَعْنَى لِلْمُعَادَاةِ إِلَّا هَذَا، فَكَيْفَ تُضَامُ الْأُخُوَّةُ وَالْمُصَافَاةُ، فَقَدْ رَوَى " ابْنُ عَبَّاسٍ " عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُمَارِ أَخَاكَ وَلَا تُمَازِحْهُ وَلَا تَعِدْهُ مَوْعِدًا فَتُخْلِفَهُ " وَقَدْ قَالَ ﵇: " إِنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ وَجْهٍ وَحُسْنُ خُلُقٍ " وَالْمُمَارَاةُ مُضَادَّةٌ لِحُسْنِ الْخُلُقِ. وَاعْلَمْ أَنَّ قِوَامَ الْأُخُوَّةِ بِالْمُوَافَقَةِ فِي الْكَلَامِ وَالْفِعْلِ وَالشَّفَقَةِ. الْحَقُّ الرَّابِعُ عَلَى اللِّسَانِ بِالنُّطْقِ الْأُخُوَّةُ كَمَا تَقْتَضِي السُّكُوتَ عَنِ الْمَكَارِهِ تَقْتَضِي أَيْضًا النُّطْقَ بِالْمَحَابِّ، بَلْ هُوَ أَخَصُّ بِالْأُخُوَّةِ لِأَنَّ مَنْ قَنَعَ بِالسُّكُوتِ صَحِبَ أَهْلَ الْقُبُورِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ الْأُخُوَّةُ لِيُسْتَفَادَ مِنْهُمْ لَا لِيُتَخَلَّصَ عَنْ أَذَاهُمْ، وَالسُّكُوتُ مَعْنَاهُ كَفُّ الْأَذَى، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَدَّدَ إِلَيْهِ بِلِسَانِهِ وَيَتَفَقَّدَهُ فِي أَحْوَالِهِ الَّتِي يُحِبُّ أَنْ يُتَفَقَّدَ فِيهَا، كَالسُّؤَالِ عَنْ عَارِضٍ إِنْ عَرَضَ وَإِظْهَارِ شُغْلِ الْقَلْبِ بِسَبَبِهِ وَاسْتِبْطَاءِ الْعَافِيَةِ عَنْهُ، وَكَذَا جُمْلَةُ أَحْوَالِهِ الَّتِي يَكْرَهُهَا يَنْبَغِي أَنْ يُظْهِرَ بِلِسَانِهِ وَأَفْعَالِهِ كَرَاهَتَهَا، وَجُمْلَةُ أَحْوَالِهِ الَّتِي يُسَرُّ بِهَا يَنْبَغِي أَنْ يُظْهِرَ بِلِسَانِهِ مُشَارَكَتَهُ لَهُ فِي السُّرُورِ بِهَا، فَمَعْنَى الْأُخُوَّةِ الْمُسَاهَمَةُ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَقَدْ قَالَ ﵇: " إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ " وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْإِخْبَارِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ زِيَادَةَ حُبٍّ، فَإِنْ عَرَفَ أَنَّكَ تُحِبُّهُ أَحَبَّكَ بِالطَّبْعِ لَا مَحَالَةَ، فَلَا يَزَالُ الْحُبُّ يَتَزَايَدُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَيَتَضَاعَفُ، وَالتَّحَابُّ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ مَطْلُوبٌ فِي الشَّرْعِ وَمَحْبُوبٌ فِي الدِّينِ، وَلِذَلِكَ عَلَّمَ النَّبِيُّ ﷺ فِيهِ الطَّرِيقَ فَقَالَ: " تَهَادُوا تَحَابُّوا ". وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ تَدْعُوَهُ بِأَحَبِّ أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ وَحُضُورِهِ، قَالَ " عمر " ﵁: " ثَلَاثٌ يُصَفِّينَ لَكَ وُدَّ أَخِيكَ " أَنْ تُسَلِّمَ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيتَهُ أَوَّلًا، وَتُوَسِّعَ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَتَدْعُوَهُ بِأَحَبِّ أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ ". وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ تُثْنِيَ عَلَيْهِ بِمَا تَعْرِفُ مِنْ مَحَاسِنِ أَحْوَالِهِ عِنْدَ مَنْ يُؤْثِرُ هُوَ الثَّنَاءَ عِنْدَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي جَلْبِ الْمَحَبَّةِ، وَكَذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ وَصَنْعَتِهِ وَفِعْلِهِ حَتَّى عَقْلُهُ وَخُلُقُهُ وَهَيْئَتُهُ وَخَطُّهُ وَتَصْنِيفُهُ وَجَمِيعُ مَا يَفْرَحُ بِهِ وَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَذِبٍ وَإِفْرَاطٍ، وَلَكِنْ

1 / 134