Exhortation des Croyants tirée de Revivification des Sciences de la Religion

Ibn Muhammad Jamal Din Qasimi d. 1332 AH
129

Exhortation des Croyants tirée de Revivification des Sciences de la Religion

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

Chercheur

مأمون بن محيي الدين الجنان

Maison d'édition

دار الكتب العلمية

وَعُيُوبِهِ وَمَسَاوِئِ أَهْلِهِ فَهُوَ مِنَ الْغِيبَةِ وَذَلِكَ حَرَامٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَزْجُرُكَ عَنْهُ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تُطَالِعَ أَحْوَالَ نَفْسِكَ فَإِنْ وَجَدْتَ فِيهَا شَيْئًا وَاحِدًا مَذْمُومًا فَهَوِّنْ عَلَى نَفْسِكَ مَا تَرَاهُ مِنْ أَخِيكَ وَقَدِّرْ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ قَهْرِ نَفْسِهِ فِي تِلْكَ الْخَصْلَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا أَنَّكَ عَاجِزٌ عَمَّا أَنْتَ مُبْتَلًى بِهِ، وَلَا تَسْتَثْقِلْهُ بِخَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ مَذْمُومَةٍ، فَأَيُّ الرِّجَالِ الْمُهَذَّبُ. وَالْأَمْرُ الثَّانِي: أَنْ تَعْلَمَ أَنَّكَ لَوْ طَلَبْتَ مُنَزَّهًا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ اعْتَزَلْتَ عَنِ الْخَلْقِ كَافَّةً وَلَنْ تَجِدَ مَنْ تُصَاحِبُهُ أَصْلًا، فَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا وَلَهُ مَحَاسِنُ وَمَسَاوِئُ، فَإِذَا غَلَبَتِ الْمَحَاسِنُ الْمَسَاوِئَ فَهُوَ الْغَايَةُ وَالْمُنْتَهَى، فَالْمُؤْمِنُ الْكَرِيمُ أَبَدًا يُحْضِرُ فِي نَفْسِهِ مَحَاسِنَ أَخِيهِ لِيَنْبَعِثَ مِنْ قَلْبِهِ التَّوْقِيرُ وَالْوُدُّ وَالِاحْتِرَامُ. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ اللَّئِيمُ فَإِنَّهُ أَبَدًا يُلَاحِظُ الْمَسَاوِئَ وَالْعُيُوبَ. قَالَ «ابْنُ الْمُبَارَكِ»: «الْمُؤْمِنُ يَطْلُبُ الْمَعَاذِيرَ وَالْمُنَافِقُ يَطْلُبُ الْعَثَرَاتِ» . وَقَالَ «الفضيل»: «الْفُتُوَّةُ الْعَفْوُ عَنْ زَلَّاتِ الْإِخْوَانِ» وَلِذَلِكَ قَالَ ﵇: «اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَارِ السُّوءِ الَّذِي إِنْ رَأَى خَيْرًا سَتَرَهُ وَإِنْ رَأَى شَرًّا أَظْهَرَهُ» . (بَحْثُ سُوءِ الظَّنِّ) وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْكَ السُّكُوتُ بِلِسَانِكَ عَنْ مَسَاوِئِهِ يَجِبُ عَلَيْكَ السُّكُوتُ بِقَلْبِكَ وَذَلِكَ بِتَرْكِ إِسَاءَةِ الظَّنِّ، فَسُوءُ الظَّنِّ غِيبَةٌ بِالْقَلْبِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَيْضًا، وَحَدُّهُ أَنْ لَا تَحْمِلَ فِعْلَهُ عَلَى وَجْهٍ فَاسِدٍ مَا أَمْكَنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وَجْهِ خَيْرٍ، فَأَمَّا مَا انْكَشَفَ بِيَقِينٍ وَمُشَاهَدَةٍ فَاحْمِلْهُ عَلَى سَهْوٍ وَنِسْيَانٍ إِنْ أَمْكَنَ، وَسُوءُ الظَّنِّ يَدْعُو إِلَى التَّجَسُّسِ وَالتَّحَسُّسِ وَقَدْ قَالَ ﷺ: " لَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ". وَالتَّجَسُّسُ فِي تَطَلُّعِ الْأَخْبَارِ، وَالتَّحَسُّسُ بِالْمُرَاقَبَةِ بِالْعَيْنِ، فَسَتْرُ الْعُيُوبِ وَالتَّجَاهُلُ وَالتَّغَافُلُ عَنْهَا شِيمَةُ أَهْلِ الدِّينِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إِيمَانُ الْمَرْءِ مَا لَمْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَأَقَلُّ دَرَجَاتِ الْأُخُوَّةِ أَنْ يُعَامِلَ أَخَاهُ بِمَا يُحِبُّ أَنْ يُعَامِلَهُ بِهِ، وَمَنْشَأُ التَّقْصِيرِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَوِ السَّعْيِ فِي كَشْفِهَا الدَّاءُ الدَّفِينُ وَهُوَ الْحِقْدُ وَالْحَسَدُ، وَمَنْ فِي قَلْبِهِ سَخِيمَةٌ عَلَى مُسْلِمٍ فَإِيمَانُهُ ضَعِيفٌ، وَأَمْرٌ مُخْطِرٌ، وَقَلْبُهُ خَبِيثٌ لَا يَصْلُحُ لِلِقَاءِ اللَّهِ. وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ يَسْكُتَ عَنْ إِفْشَاءِ سِرِّهِ الَّذِي اسْتَوْدَعَهُ، وَلَهُ أَنْ يُنْكِرَهُ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَلَيْسَ الصِّدْقُ وَاجِبًا فِي كُلِّ مَقَامٍ، فَإِنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُخْفِيَ عُيُوبَ نَفْسِهِ وَأَسْرَارَهُ وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى الْكَذِبِ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي حَقِّ أَخِيهِ، فَإِنَّ أَخَاهُ نَازِلٌ مَنْزِلَتَهُ وَهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ لَا يَخْتَلِفَانِ إِلَّا بِالْبَدَنِ، هَذِهِ حَقِيقَةُ الْأُخُوَّةِ، وَقَدْ قَالَ ﵇: " مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ سَتَرَهُ اللَّهُ

1 / 132