91

Mawarid al-Dhaman li-Durus al-Zaman

موارد الظمآن لدروس الزمان

Numéro d'édition

الثلاثون

Année de publication

١٤٢٤ هـ

Genres

وَكَثْرَة هُمُومِهَا وَغُمُومِهَا وإِشْغَالِهَا عَنْ طَاعةِ اللهِ وَلذلكَ كَانَ النَّاسُ يُقَدِّرُونَهُمْ وَيَضَرِبُونَ بِهِمُ الأَمثالَ وَأَنْتَ تَرَى أَنه على قَدْرِ قَنَاعَةِ العُلَمَاءِ في الدُّنْيَا تَكُونُ مَكَانتُهُمْ في نُفُوسِ النَّاسِ والتَفَافُهُم حَوْلَهم والاسْتِمَاعُ لِنَصائِحِهمْ والانقيادُ لإِرْشَاداتِهِمْ وَالرُّجوعُ إِليهِمْ فَيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى قَدْرِ تَعَلّقِ العُلَمَاءِ بَالدُّنْيَا وَتَوَجُهِهِمْ إِليها تَكُونُ زَهَادَةُ الناسِ في العُلماءِ وَعَدمُ الثِّقَةِ بَهَمْ واتِّهَامُهُمْ وَالنُفْرَةُ مِنْهُمْ وأَكْلُ لُحُومِهِمْ وَعَدَمُ قُبُولِ كَلاَمِهِمْ وَإِرْشَادِهِمْ وَنَصَائِحِهِمْ فَلاَ يَسْمَعُونَ لَهُمْ قَوْلًا وَلاَ يُعَوِّلُون عَلَيهِمْ في مَا يَجْهَلُونَهُ وَيَحْرَصُونَ عَلَى البُعْدِ عَنْهُمْ وَيَسْتَثْقِلُونَهَمْ والسَّبَبُ الوَحِيدُ كَمَا عَلِمْتَ أَولًا هو التعلقُ بالدُّنْيَا ضِدَّ مَا عَلَيْهِ السلفُ الصَّالِحُ. قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: اعْلَمْ أَيَّهَا الإِنْسَانُ أَنَّ الدُّنْيَا مَنْزِلةٌ وَلَيْسَتْ بِدَارِ قَرارٍ وَالإِنْسَانُ مُسَافر فَأَوّلُ مَنَازِلهِ بَطْنُ أمهِ وَآخرُ مَنَازِلهِ لحَدُ قَبْرِهِ، وَإِنمَّا وَطَنُهُ وَقَرَارُهُ وَمُكْثُهُ واسْتِقْرَارُهُ بَعْدَهَا في هَذَا. وَاخْتَصَرُ أَحَدُ العُبَّادِ فَقَالَ: مَا تأَسُّفِي عَلَى دَارِ الهُمُوم والأَنْكاَدِ وَالأَحْزَانِ وَالخَطَايَا والذُّنُوبِ، وَإنَّمَا تَأُسُّفِي عَلَى لَيْلَةٍ نِمْتُهَا، وَيَوْمٍ أَفْطَرْتُهُ، وَسَاعَةٍ غَفَلْتُ فِيهَا عَنْ ذِكْرِ الله ثّمَّ مَاتَ ﵀. وَقَالَ مُطَرِّفُ بنُ الشَّخِيرِ: إِنَّ هَذَا الموتَ نَغَّصَ عَلَى النَّعِيمِ نَعِيمَهُمْ، فاطْلُبُوا نَعِيمًا لاَ مَوْتَ فيهَ، فَكيْفَ وَوَرَاءَهُ يوم يُعَدُّ فيهِ الجَوَابُ وَتَدْهَشُ فيهِ الأَلْبَابُ، وَتفْنَى في شَرْحِهِ الأَقْلاَمُ والكُتَّابُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كُلُّ سَنَةٍ تَنْقَضِي مِنَ الإِنْسَانِ فَكَالمرحَلةِ. وَكُلَّ شَهْرٍ يَنْقَضِي مِنْهُ فَكَاسْتِرَاحَةِ المُسَافِر في طَرِيق، وَكُلُّ أُسْبُوعٍ فَكَقَرية تَلقَاهُ. وكُلُّ يَوْمٍ فَكَفَرْسَخٍ يَقْطَعُهُ. وَكُلُّ نَفَس كَخَطْوةٍ يَخْطُوهَا. وَبقَدرِ كُلِّ نَفَسٍ يَتَنَفَّسُهُ يَقْرُبُ مِنَ الآخِرَةِ وَهَذِهِ الدُّنْيَا قِنْطَرَةٌ فَمَنْ عَمَّرَ القَنْطَرةَ وَاسْتَعْجَلَ بِعمارتِهَا فَنيَ فِيهَا زَمَانُهُ.

1 / 90