[بين معاوية وسودة الهمدانية]
ونقل عن سودة بنت عمارة الهمدانية أنها قدمت على معاوية بعد موت علي كرم الله وجهه فجعل معاوية يؤنبها على تحريضها عليه في أيام صفين، ثم قال لها: ما حاجتك؟
فقالت: إن الله مسائلك عن أمرنا وما فرض عليك من حقنا، وما فوض إليك من أمرنا لايزال يقدم علينا من قبلك من يسمو بمكانك، ويبطش بسلطانك، فيحصدنا حصد السنبل ويدوسنا دوس الحرمل يسومنا الخسف ويذيقنا الحتف هذا بسر بن أرطأة قدم علينا فقتل رجالنا وأخذ أموالنا ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة، فإن عزلته شكرناك وإلا فإلى الله قد شكوناك، فقال معاوية: إياي تعنين، ولي تهددين؟ لقد هممت يا سودة أن أحملك على قتب أشوس فأردك فينفذ حكمه فيك، فأطرقت ثم أنشأت تقول:
قبر فأصبح فينا العدل مدفونا
فصار بالحق والإيمان مقرونا
صلى الإله على جسم تضمنه
قد حالف الحق لا يبغي به بدلا
فقال معاوية: من هذا يا سودة؟
فقالت: هذا والله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، لقد جئته في رجل كان ولاه صدقاتنا، فجار علينا، فصادفته قائما يريد الصلاة، فلما رآني انفتل ثم أقبل علي بوجه طلق، ورحمة ورفق وقال: ألك حاجة؟ فقلت: نعم وأخبرته بالأمر، فبكى ثم قال: اللهم أنت الشاهد لم آمرهم بظلم خلقك، ولا [13أ]بترك حقك، ثم أخرج من جيبه قطعة جلد فكتب فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم ?قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين?[الأعراف:85] إذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملك حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام)، ثم دفع إلي الرقعة، فجئت بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنا معزولا.
فقال معاوية: اكتبوا لها بما تريد، واصرفوها إلى بلدها غير شاكية.
Page 88