[بين معاوية وضرار]
وقال معاوية لضرار بن ضمرة: صف لي عليا.
فقال: اعفني.
فقال: أقسمت عليك لتصفنه.
قال: أما إذا كان ولا بد، فإنه والله كان بعيد[12ب] المدى، شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وينطق الحكمة من لسانه يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان غزير الدمعة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه، قابضا على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غري غيري، إلي تعرضت! أم إلي تشوقت! هيهات... هيهات قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك كبير، وعيشك حقير، آه من قلة الزاد ، وبعد السفر، ووحشة الطريق ؛ فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها، فهي لا يرقى دمعها، ولا يخفى فجعها.
Page 86