190

بن سعد الدين بن الحسين بن محمد بن علي بن محمد بن غانم بن يوسف بن الهادي بن علي بن عبد العزيز بن عبد الواحد بن عبد الحميد الأصغر بن عبد الحميد الأكبر المسوري - حفظه الله تعالى -(1)، هو شيخنا وشيخ الشيوخ، وأستاذنا وأستاذ أهل الرسوخ، العلامة الذي تعطو له أعناق التحقيق، وتكتنف بساحاته أنوار التوفيق حافظ الشريعة، حائط علوم الأئمة والشيعة الوسيعة، الماضية سيوف أقلامه في الأقاليم، والمحكمة آراؤه وعلومه في أنواع التعاليم والتحاكيم، فهو الذي يسر الله له العلم فصار جماعه، وهيأ له أسبابه فهو أستاذ الجماعة، أما الحديث فهو (الحاكم) المستدرك، وأما التفسير فهو (محمود) الرواية والدراية المدرك، وأما علوم المعقول فهو المطلق التصرف فيها، فهي بين مقيد ومعقول. وأما الكتابة فهو المقتعد لمهادها الوثير، وهو قاضيها الفاضل الأثير فيها و(ابن الأثير)، رسائله المثل السائر في الأطراف، وأمرها ونواهيها الفلك الدائر القاطع لدابر أهل الخلاف، مقتبسة من أنوار الكتاب، ناطقة بالحكمة وفصل الخطاب، يتشعشع منها البارق النبوي ويلوح، ويتضوع منها العابق العلوي ويفوح، فكأين من مرفوع بالباطل خفضته، ومخفوض بعوامل النصب وأهله رفعته، لا جرم أن خطه هو الخطى العاسل، وكلمه السديد هو الأسد الكالم الباسل، مع لطافة طبع تكاد تسيل، ولين جانب يتعطف بالرفق /116/ ويميل.

وفضاضة يلقى بها العاصين لا ... يلويه كونهم ذوي إكرامه

فلا ريب أن هذه الأمة كالمطر، وأن هذا العيان يصدق ذلك الخبر، ومع ذلك فهو يباري بكرمه الرياح الموارة، فهو غياث النزول وعتاد السيارة، كم انحل بكرمه وشفقته من أسير، وكم انحل بميسور كرمه من عسير.

كأن للمال في كفيه أجنحة ... فإن يقع منه شيء فيهما يطر

مع ثبات لوثبات النوازل، وتحمل لإثقال تئط منها البوازل، فالعجب من تلك الصلابة مع طبعه الشفيق الرقيق، ومن تلك الجلادة مع لطافة فهم كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق، مع زهد وورع شحيح، وعزف نفس عن العاجل الذي صار الناس له بين قتيل وجريح، مع تمكنه من نفيس أعلاقه، وقبضه بالبنان لو شاء على مفاتيح أغلاقه، فإنه لم يزل في دور الخلافة آمرا في مهمات الأمور، على رأيه المسدد لولب فلكها المسعود يدور، غير أنه علم الغاية، فلوى لواء عزمه وطوى عن المطامع رأيه، وأقبل على مأدبة القرآن، فاستبطن وامتلأ، وكادت تناجيه معاني القرآن إذا تلا، ونظر في العلوم الإسلامية فاستخلص الزبد من لبنه، وأسس قواعدها بجواهر النبوءة لا بآجره ولبنه، ومع ذلك يقوم الليل إلا قليلا، ويقطع أيامه صلاة وتلاوة وتسبيحا وتكبيرا وتهليلا، فقد ظهرت عليه آثاره، وزهرت على جبينه أنواره، ولم يزل يقرع المنابر، ويحللها ويكللها بإبريسم الوعظ والجواهر، بكلم نبوية، وحكم علوية، تهد الصلد الصفوان، ولا يقاس بها حكم (قيس) ولا (خالد بن صفوان).

Page 212