كتاب مثارات الغلط في الأدلة
1 / 759
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
قال شيخنا الإمام العالم العلامة، فريد عصره، وسيد أهل دهره، جامع أشتات العلوم ومحققها: السيد أبو عبد الله [محمد] بن العدل أبي العباس أحمد بن علي الحسني النسب التلمساني الدار، المعروف بالشريف فيها ﵀ وعفا عنه بمنه وكرمه.
1 / 761
الباب الأول:
القسم الأول: الغلط في اللفظ المفرد
الحمد لله رب العالمين، سألت - وفقنا الله وإياكم - عن مثارات الغلط في الأدلة، ورغبت منا حصرها بالوجه الصناعي، وتمثيلها بالمثل العقلية والفقهية، فأجبتك إلى ذلك مستعينا بالله ومتوكلا عليه، وأقول - والله الموفق -:
الغلط في البرهان وغيره من سائر الأدلة والحجاج، إما أن [يكون] من جهة اللفظ، وإما أن يكون من جهة المعنى.
أما الذي من جهة اللفظ، فاعلم - وفقك الله -: أن اللفظ إذا طابق المعنى مطابقة تامة بحيث لا يحتمل اللفظ في الدلالة غير المعنى المقصود لم يقع غلط بسبب اللفظ البتة، وإذا ثبت أنه لابد من احتمال في اللفظ، فذلك الاحتمال إما أن يكون في اللفظ بعد تحقق كونه مفردا أو بعد تحقق كونه مركبًا، أو يكون لدورانه وتردده بين الإفراد والتركيب.
أما إن كان بعد تحقق كونه مفردا، فذلك إما أن يكون الاشتراك في جوهر اللفظ ومادته بأي نوع من أنواع الاشتراك - اعني في الوضع - أو
1 / 763
بكون حقيقة في أحد المعنيين مجازًا في الآخر، أو منقولا، أو نحو ذلك، أو يكون في هيئة اللفظ وصورته دون مادته، أو يكون لأمر خارج عن اللفظ عارض له ولاحق من لواحقه.
أما الاشتراك في جوهر اللفظ فذلك مثار الغلط، ومثاله في العقليات قول السفسطائي: واجب الوجود، إما أن يكون ممكنا أن يكون أو غير ممكن أن يكون، وكل ممكن أن يكون ممكن ألا يكون، فإن لم يكن ممكنا أن يكون فهو ممتنع أن يكون فواجب الوجود ممتنع أن يكون هذا خلف، [وإن كان ممكنا أن يكون، ممكن أن يكون واجب الوجود، ممكن ألا يكون كذا خلف].
ومثال الغلط فيه ان لفظ الممكن مشترك بين الممكن العام الذي معناه لا يمتنع والممكن الخاص الذي معناه جواز الوجود والعدم، فالممكن الذي هو حد وسط في القياس المذكور، إن كان] معناه الممكن العام منعنا قوله: فكل ممكن أن يكون، ممكن ألا يكون، وإن كان معناه الممكن الخاص منعنا قوله: إن لم يكن ممكنا أن يكون، فهو ممتنع أن يكون فلا ينفع عن أحد المعنيين إلا أن يختلف المراد بلفظ الممكن، - وحينئذ لا يتحد الوسط.
1 / 764
مثاله في الفقهيات: قول من يرى أن الزنا يوجب حرمة المصاهرة فيمن وطأها الأب بزنا: إنها تحرم على الابن لقوله تعالى: ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء. فيقول في المزني بها: إنها منكوحة الأب، وكل منكوحة الأب تحرم على الابن فهذه تحرم على الابن، فيقول من يبيح ذلك: لفظ النكاح مشترك بين الوطء والعقد، فإن كان المراد بالمنكوحة في الحد الوسط المعقود عليها كذبت الصغرى، وإن كان المراد الموطوءة كذبت الكبرى، لأن لفظ النكاح في القرآن محمول على العقد وإن اختلف المراد فيهما لم يتحد الوسط.
ومثل ذلك القرء في قوله تعالى: ﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء﴾ فإن لفظ القرء مشترك بين الطهر والحيض وكذلك الشفق في الحديث: أن رسول الله ﷺ العشاء بعد الشفق، فإنه مشترك بين
1 / 765
البياض والحمرة وكذلك الإغلاق في قوله ﷺ: لا طلاق في إغلاق، فإنه مشترك بين الإكراه والجنون ويمكنك بسط الأمثلة الخلافية في هذا الألفاظ الثلاثة.
وأما الاشتراك في هيئة اللفظ وصورته فهو من مثارات الغلط ومثاله: قوله تعالى: ﴿لا تضار والدة بولدها﴾ ذلك أن أهل العلم اختلفوا: هل إرضاع الأم ولدها حق لها، فليس للأب أن ينقله إلى غيرها من دون رضاها، أو حق عليها، فللأب أن يجبرها على ذلك، وليس لها أن تمتنع، وكل ذلك بناء على أن صيغة الفعل مشتركة بين الفعل المضارع المبني للفاعل وبين الفعل المبني للمفعول النائب عنه، فإذا استدل أحد الفريقين بالاية على مذهبه، فللفريق الآخر أن يعترض عليه بالاشتراك في الصيغة.
وأما المادة فللاشتراك، فيها ومثال لذلك قوله تعالى: ﴿ولا يضار كاتب ولا شهيد﴾ قال ابن عباس وعطاء: معناه لا يمتنع كاتب من الكتب ولا شهيد من الشهادة إذا دعي إلى ذلك، فالفعل عندهما مبني
1 / 766
للفاعل، وقال عكرمة وجماعة: معناه أن الداعي لا يضر بهما في وقت شغل أو عذر، فالبناء - عندهم - للمفعول النائب عن الفاعل، فأي الفريقين احتج بالاية على مذهبه فللفريق الآخر أن يقدح في احتجاجه بالاشتراك في الصيغة.
وأما الاشتراك من جهة الامور الخارجة اللاحقة للفظ، فإما أن تكون من اللواحق النطقية أو من اللواحق الخطية.
فأما اللواحق النطقية، فمثل: لام التعريف، بين العهد والجنس، ومثل: ياء التصغير بين التحقير والتعظيم، ومثل تاء التأنيث بين التأنيث اللفظي والمعنوي.
ومثال ذلك: أن يستدل من يرى: أن لا عبرة بالمخالطة إلا بتغيير
1 / 767
الماء لقوله ﷺ: ﴿خلق الله الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير لونه او طعمه أو ريحه﴾ فيقول الخصم: الالف واللام، هنا للعهد، لأنه وارد على سبب معين وهو بئر بضاعة، فاسم الماء لا اشتراك فيه، وإنما الاشتراك في لاحق من لواحقه، وهي لام التعريف وكذلك قوله ﷺ: أفطر الحاجم والمحجوم، لما مر بهما.
وأما اللواحق الخطية، فمثل النقط والتشكيل، ومثاله: استدلال من منع طعام وعرض بطعام، أو بيع نقد وعرض بنقد، بحديث فضالة بن
1 / 768
عبيد: أن رجلا سأل النبي ﷺ فقال: إني ابتعت قلادة فيها خرز وذهب بذهب، فقال النبي ﷺ: لا، حتى تفصل. [بالصاد المهملة] فيقول المخالف: إنما هو حتى تفضل [بالصاد المعجمة] ومعناه: حتى يتبين الفضل في الذهب الثمن ليجعل ذلك ثمن العرض الذي هو الخرز.
ومثال التشكيل: استدلال من يمنع بيع الحنطة في السنبل، بما روي أن النبي ﷺ: نهى عن بيع الحب حتى يفرك، مبنيا للمفعول، فيقول المخالف: إنما هو: حتى يفرك، مبنيا للفاعل، ومعناه حتى يصير فريكا.
ومن ذلك: استدلال من يرى أن الأمة تصير فراشًا بالوطء، فيلحق الولد بالسيد، وإن لم يستلحقه بحديث عبد الله بن زمعه وسعد بن أبي وقاص إذ اختصما إلي النبي ﷺ فقال عبد: يا رسول الله هو أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، وقال سعد: يا رسول الله هو ان أخي عتبة قد كان عهد إلي فيه، فقال رسول الله ﷺ لعبد الله بن زمعه: هو
1 / 769
لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة، فقضى به لابن زمعة، فيقول من لا يرى ذلك: الرواية هو لك عبدٌ بالتنوين، وابن زمعة منادى مضاف، ولذلك أمر سودة بالاحتجاب منه ولو ألحقه بزمعة لما أمرها بالاحتجاب من اخيها.
فهذه الوجوه كلها مثارات الأغاليط اللفظية في اللفظ المفرد.
1 / 770
القسم الثاني: الغلط في اللفظ المركب
اشتراك التأليف
وأما الاشتراك الذي هو في اللفظ المركب بعد تحقق تركيبه فهو مثار الغلط، ويسمى اشتراك التأليف، ومثاله في العقليات: العالم إما أن يكون ممكنا أن يكون في الأزل، أو لا يكون ممكنا أن يكون في الأزل، فإن كان ممكنا أن يكون في الأزل أمكن أن يكون قديما وهو محال، وإن لم يكن ممكنا [أن يكون] في الأزل، فلإمكان كونه بداية، ويلزم انقلابه من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي، وهو محال، ومثال الغلط فيه أن قولنا في الأزل، إما أن يتعلق بقولنا: ممكنا، أو بقولنا: يكون والتركيب صالح بالمعنيين، فإن كان متعلقا بـ يكون، اخترنا القسم الثاني، وهو أن العالم ليس بممكن أن يكون في الأزل، وحينئذ لا يلزم أن يكون لإمكان كونه بداية وإن تعلق بقولنا: ممكنا اخترنا القسم الأول، وحينئذ لا يلزم إمكان كونه قديما.
ومثاله في الفقهيات: قوله تعالى: ﴿إلا الذين تابوا﴾ فإنه يحتمل أن يكون استثناء من جميع الجمل المتقدمة، ويلزم جواز قبول شهادة القاذف
1 / 771
بعد توبته، وأن يكون استثناء من الجملة الأخيرة فقط، فلا تقبل شهادة القاذف بعد توبته، والتركيب صالح للمعنيين، فمن احتج من الفريقين على مذهبه، فللآخر القدح في استدلاله باشتراك التأليف.
ومثاله في علم الأصول: قول من منع التكليف بالمشروط عند عدم شرطه الشرعي، وتفرض في تكليف الكفار بالفروع، لو أمكن التكليف بفعل المشروط قبل حصول شرطه الشرعي لم يكن الشرط شرطا، والثاني باطل بالإجماع، فيقول الخصم: قولكم قبل شرطه، إما أن يتعقل بفعل المشروط أو بالتكليف، فإن كان الأول سلمناه، ولا يمس محل النزاع لأنا لا ندعيه وإن كان الثاني منعنا الملازمة، والتركيب صالح للمعنيين.
1 / 772
القسم الثالث: الغلط في اللفظ بسبب تردده بين الإفراد والتركيب
وأما الاشتراك في اللفظ بسبب تردده بين الإفراد والتركيب - وهو القسم الثالث - فإما أن يكون أخذ مركبا وهو مفرد، أو بالعكس، فإن كان الأول فيسمى تركيب المفصل، وهو مثار الغلط.
ومثاله في العقليات: قول من يرى أن الأرض أبرد من الماء، لأن التراب يابس مفرط، ثم يفرد المفرط بالحمل ويضم إليه، أن التراب بارد، ثم يجمعهما فيقول: التراب بارد مفرط فقد ركب في نتيجته ما هو مفصل.
ومثاله في الفقهيات: استدلال من يرى أن المسح على العمامة، أو مسح الناصية وحدها لا يجزي بحديث مسلم: انه ﷺ مسح بناصيته وعلى العمامة، قال عياض: وأجزأ أحدهما لما ضم إليه الآخر،
1 / 773
فيقول الخصم: أنت ركبت ما هو مفصل، وذلك أنه ﷺ مسح على العمامة، في وضوئه مرة، ومسح بناصيته مرة.
وإن كان الثاني - وهو أن يأخذ ما هو مركب فيفصله - فيسمى تفصيل المركب
ومثاله في العقليات: الجسم مادة وصورة، والمادة منفعلة فقط، فالجسم منفعل فقط، والغلط فيه كونه أخذ المادة محمولا وفصله، وإنما هو جزء محمول.
ومثاله في الفقهيات: قوله ﷺ في النبيذ: تمرة طيبة وماء طهور. فيفصله من يحتج على جواز الوضوء بالنبيذ، فيقول: النبيذ ماء طهور، والماء الطهور يتوضأ به، فالنبيذ يتوضأ به، فيفصل ما هو مركب بل الصحيح أن النبيذ مجموع من الماء والتمرة، وإنما ذلك كقولنا: الطين ماء وتراب.
فهذه مثارات الغلط اللفظي وهي ستة لا أزيد منها: اشتراك الجوهر، واشتراك الصيغة واشتراك اللواحق، واشتراك التأليف وتركيب المفصل، وتفصيل المركب.
1 / 774
الباب الثاني: الغلط المعنوي
القسم الأول: مثارات الغلط من جهة المعنى
أولا: مثارات الغلط في التأليف الجزئي
وأما مثارات الغلط الذي من جهة المعنى، فنقول فيه: إن كان دليل وحجة فهو ذو مادة وصورة.
وأما مادته: فالقريبة القدمات، والبعيدة أجزاؤها وهي الحدود.
وأما صورته: فالتأليف القياسي، فإن سلكنا في هذا التعليم أحد طريقيه - وهو طريق التركيب - فينبغي أن نبدأ أولا بأجزاء القضية، ثم تأليف الأول وهو التأليف الجزئي، ثم بالتأليف الثاني وهو التأليف القياسي فنقول: جزء القضية سواء كان موضوعا أو محمولا لا يخلو: إما أن يكون كثيرا من كل وجه، أو واحدا من وجه، ويندرج في هذا القسم ما هو واحد من كل وجه.
- أما القسم الأول - وهو الكثير من كل وجه -[فهذا لا سبيل معه
1 / 775
إلى اتحاد القضية، لأنه لابد من النسبة الحكمية بين الجزء الأخير وبين كل واحد من أجزاء الطرف الآخر، فهي ذات نسبتين حكميتين]، والنسبة الحكمية هي الصورة للقضية، فيؤدي إلى أن تكون القضية الواحدة ذات صورتين وهو محال، فإذا أخذت القضية المشتملة على هذا الفرض واحدة، فهو مثار الغلط، ويسمى بجمع المسائل في مسألة واحدة، فقد تصدق إحدى النسبتين وتكذب الأخرى، وقد يكذب في هذا التركيب طرق التقابل.
ومثاله في العقليات قول القائل: المادة والصورة، إما أن يكون في الجسم مبدأ الفعل أو مبدأ الانفعال والتحقيق فيه التفصيل، اعني أن المادة مبدأ الانفعال، والصورة مبدأ الفعل، وقد يكون التعدد من جهة المحمول لقول القائل: الجسم إما أن يفعل وينفعل بمادته، أو لا يفعل وينفعل بمادته، والحق أنه ينفعل ولا يفعل بها.
ومثاله في الفقهيات: قول القائل: الوضوء والتيمم إما أن يرفعا الحدث أو لا يرفعاه، والحق التفصيل، وهو أن الوضوء يرفعه، والتيمم لا يرفعه وكذلك إذا كان التعدد من جهة المحمول كقول القائل: بيع الرجل على بيع أخيه، أو نكاحه على نكاح أخيه أيهما اخذنا مفردًا، إما أن يحل ويصح، او لا يحل ولا يصح والتحقيق التفصيل وهو أنه لا يحل ويصح.
وأما القسم الثاني: أن يكون كل واحد من طرفي القضية متحدا بوجه ما، فإما أن تشتمل القضية الحتملين المستحقين الوضع والحمل أو لا
1 / 776
تشتمل، فإن لم تشتمل فلابد أن يكون الجزء المأخوذ بدلا عن الفائت ملابسا للجزء الفائت بوجه من وجود الملابسة، أعني أن تكون عارضا له، أو معروضا أو مقارنا في موضوع، أو محل، أو زمان، أو مكان أو نحو ذلك في الوجوه ليمكن أخذ أحدهما كأنه الآخر، وذلك مثار الغلط، ويسمى أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات.
ومثاله في العقليات: قول القائل: الجسم متصل، والمتصل لا تبقي ذاته عند طريان الانفصال فالجسم لا يبقي ذاته عند طريان الانفصال، فيقول: [الآخر: المتصل إنما يحتمل بالذات على الجسم التعليمي الذي هو النوع من الكم.
وأما الجسم الطبيعي الذي هو الجوهر]، فإنما يحمل عليه المتصل بالعرض.
ومثاله في صرف المحمول: قولهم: السقمونيا، مبردة، وإنما هي بالذات مسهلة للصفراء، وعند ذلك يعرض للجسم البرد، فيحمل ذلك على السقمونيا بالعرض.
ومثاله في الفقهيات: قول القائل: نكاح الأمة اختيارًا حرام، لأنه
1 / 777
سبب في إرقاق الولد، وما يكون سببًا في إرقاق الولد حرام، فنكاح الأمة حرام، فيقول: الخصم: [إنما تحمل] السببية بالذات على إرقاق الأم، فإنها السبب في إرقاق الولد، لكن لما قارنه النكاح حمل عليه بالعرض.
ومثاله من جهة المحمول: قول القائل: الماء مطهر للجسد إذا أصابته النجاسة، فيقول الخصم، إنما الماء مزيل للنجاسة، فإذا زالت النجاسة بماء فالمحل طاهر بالأصالة، فلما قارنت هذه الطهارة المتجددة لإزالة النجاسة حملت على الماء بالعرض.
ومن أمثال الموضوع - أيضا -: قول القائل: الصلاة في الدار المغصوبة معصية، والمعصية لا تقع امتثالا للأمر، وما لا يقع امتثالا للأمر فلا يجزيء عن المأمور به، فيقول المخالف: المعصية ثابتة بالذات للغصب لا للصلاة، لكنها لما اقترنا حملت المعصية عليها بالعرض. هذا كله إذا أخذ في القضية ما لا يستحق الوضع، أو الحمل بدلا عما يستحقه.
فأما إن اشتملت القضية على جزئين، فإما أن يشترط فيهما شرط في الوضع أو الحمل أو لا يشترط فإن لم يشترط فلا غلط وإن اشترط وذكر ذلك في القضية فلا غلط من هذا الوجه، وإن لم يذكر فهو مثا الغلط، ويسمى الإطلاق في موضع التقييد، فقد يكون من جهة الموضوع، وقد يكون من جهة المحمول. ومثاله من جهة الموضوع في العقليات: قول القائل: كل جسم فيه
1 / 778
ميل طبيعي إلى حيزه الطبيعي، وكل ما فيه ميل طبيعي إلى حيزه الطبيعي فهو متحرك حركة طبيعية أو مقسور عنها، فكل جسم فهو متحرك حركة طبيعية أو مقسور عنها، فيقول: الخصم: الميل الطبيعي إنما يحصل للجسم الخارج عن حيزه الطبيعي، فأما وهو فيه فلا ميل له، فقد أطلقت ما يجب تقييده.
ومثاله في الفقهيات: قول القائل: المديان مالك لنصاب حال عليه الحول، وكل مالك لنصاب حال عليه الحول فعليه زكاة نصابه، فالمديان عليه زكاة نصابه فيقول الخصم: موضوع الكبرى لا يصدق عليه [محمولها إلا] مقيدا بالملك التام، ولذلك لا تجب الزكاة على العبد وإن كان مالكًا [للنصاب، فأنت] قد أطلقت ما يجب تقييده.
ومثاله من جهة المحمول في العقليات: [قول من يرى] أن الإنسان إنما يدرك المعقولات بقوة تتعلق بها لا بانطباع المعقولات في جوهر، وكل إنسان ذو وضع محسوس، وكل ذي محسوس لا يعقل المعقولات المجردة عن الأوضاع، فكل إنسان لا يعقل المعقولات
1 / 779
المجردة عن الأوضاع، فيقول: الخصم: أنت قد أطلقت المحمول، وإنما الصادق أن كل ذي وضع لا يقبل المعقولات من حيث هو ذو وضع، ولا يلزم من ذلك ألا يقبلها مطلقا، فالإنسان من جهة مادته ذو وضع لا يقبل المعقولات من جهة جسميته ومادته، ولا يلزم ألا يقبلها من حيث صورته وهي النفس الناطقة التي لا وضع لها.
ومثاله في الفقهيات: قول من يرى الصلاة على جلد الميتة المدبوغ طاهر، وكل طاهر تجوز الصلاة عليه، فجلد الميتة تجوز الصلاة عليه.
فيقول الخصم: أنت قد أطلقت ما يجب تقييده، وهو أن جلد الميتة طاهر طهارة مقيدة باستعماله في اليابسات، والماء وحده لا مطلقا.
فإن كانت القضية مشتملة على الجزئين المستحقين للوضع والحمل بشرطهما فلا غلط يلحقه من جهة أجزاء القضية، لكن إما أن تكون هيئة القضية مأخوذة كما يجب أعني أن يكون ما يستحق الوضع موضوعا، وما يستحق الحمل محمولا أو لا تكون الهيئة مأخوذة كما يجب، وذلك بأن يعكس الترتيب في التركيب، فإن كان الأول فلا غلط من جهة
1 / 780