وأما ما رواه البخاري من أنه ﵇ في عُمْرة القَضِيّة التي يقال لها "غَزْوة الحدُيْبِيَة" أخذ الكتاب ليكتب، فكتب: فقد أولوه بأن المراد أنه أمر كاتبه يومئذٍ -وهو سيدنا على- أن يَمْحُوَ ما كتبه أولًا في صحيفة المصالحة والمشارطة بينه وبين أهل مكة من قوله فيها: "هذا ما قَاضَى عليه محمدٌ رسول الله"، لأنهم لما سمعوا هذه الكلمة لم يَرتَضَوْها، وقالوا: لو علمنا أنك رسول الله ما منعناك من دخول مكة ولَتَابَعْنَاك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك محمَّد بن عبد الله. فقال لسيدنا على ﵁: "امْحُ رسولَ الله"، فقال على: والله لا أَمحوك أبدًا. وتعاصَتْ الصحابة -أنصارًا ومهاجرين- عن محوها، فقال ﷺ لعلى: "فأرِنيهِ"، فأراه إِياه، فمحاه بيده الكريمة، ثم امتثل أمره سيدنا على، وكتب كما أمره (١).
فالمراد يكون الرسول "كتب" في لفظ الحديث: أنه أمر كاتبه. ونظيره قوله تعالى: ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾ [آل عمران: ١٨١] أي: نأمر الكَتَبَةَ على بعض التفاسير. وقد ورد في الأحاديث أنه ﵇ كتب إِلى الملوك كِسرى وقَيْصر وغيرهم (٢)، وكذا قولهم "نَسَخَ عثمان المصاحف وأرسلها إِلى البلاد"، فالمعنى أمر بذلك.
وقد صمَّم الإِمام أبو الوليد الباجِى الأندلسى (٣) على الأخذ بظاهر الحديث، وأن الله أطلق يده ﵇ بالكتابة في تلك الساعة معجزة له، فقام عليه