يكون هذا الحكم الذهني كذبا وجهلا ، وحينئذ لا يكون الشيء في نفس الأمر أثرا ولا مؤثرا ولا فاعلا ولا مفعولا ، وذلك يوجب القول بنفي التأثير والمؤثر.
وأما القاسم الثاني : وهو أن يقال : كون المؤثر مؤثرا ، أو كون الأثر أثرا : مفهومان مغايران للذات ، وهي أمور ثابتة في الأعيان. فنقول : هذا القسم أيضا باطل ، وذلك لأن ذلك الأمر الوجودي ، إما أن يكون جوهرا قائما بنفسه ، وإما أن يكون صفة عارضة لذات المؤثر ولذات الأثر ، والأول باطل لوجوه :
أحدها : إن المؤثرية صفة لذات المؤثر ، والجوهر القائم بنفسه لا يكون صفة لذات المؤثر.
وثانيها : إن المؤثر والأثر من مقولة المضاف ، والجوهر القائم بنفسه ليس كذلك.
وثالثها : إن هذا الجوهر القائم بنفسه ، إن لم يكن له أثر في ذلك المفعول كان أجنبيا عنه (1)، وإن كان له فيه أثر فحينئذ يعود التقسيم المذكور في مؤثرية ذلك الجوهر في ذلك الأثر.
وأما القسم الثاني : وهو أن يقال المؤثرية والأثر صفتان قائمتان بذات المؤثر ، وبذات الأثر. فهذا أيضا محال لأن الصفة القائمة بالغير مفتقرة إلى الغير [والمفتقر إلى الغير] (2) ممكن لذاته والممكن لذاته لا بد له من مؤثر ، فهذه المؤثرية مفتقرة أيضا إلى مؤثر يؤثر فيه فيكون تأثير ذلك المؤثر في وجود هذه المؤثرية مفهوما زائدا عليها ، ولزم التسلسل وهو باطل لوجهين :
الأول : البراهين الدالة على أن القول بالتسلسل باطل.
والثاني : إن على تقدير أن يكون القول بالتسلسل صحيحا ، فالمحال لازم هاهنا أيضا ، وذلك لأن المعقول من التسلسل أن يستلزم شيء شيئا ،
Page 103