والبرودة يتشاركان في كون كل واحد منهما أثرا لمؤثر مخصوص ، فثبت أن المشاركة في مفهوم المؤثرية وفي مفهوم الأثرية حاصلة. وأما المشاركة في خصوص ذات المؤثر وخصوص ذات الأثر فغير حاصلة ، فإن ذات النار مخالفة لذات الماء ، وحقيقة الحرارة مخالفة لحقيقة [البرودة ، وإذا ثبت هذا ، لزم القطع بأن كون النار مؤثرة غير ، وكونها نارا غير ، وكذلك] (1) كون الحرارة أثرا لمؤثر غير ، وكونها حرارة غير.
الرابع : إنا إذا قلنا : قدرة الله ، قدرة الله. فهذا الكلام عبث لا يفيد فائدة ، أما إذا قلنا : قدرة الله مؤثرة في وجود العالم ، كان هذا الكلام مفيدا. فلو كان المفهوم من كون القدرة قدرة ، غير المفهوم من كونها مؤثرة في وجود العالم ، وجب أن لا يبقى البتة فرق بين الكلامين ، فظهر بهذا البرهان : أن التأثير مفهوم مغاير لذات المؤثر.
بقي أن نقيم البرهان على أن تأثير المؤثر في الأثر ليس عين ذات الأثر ، فنقول : الذي يدل عليه وجوه :
الأول : إنا إذا قلنا قدرة الله مؤثرة في وجود العالم ، كنا قد وصفنا قدرة الله تعالى بهذه المؤثرية ، ومعلوم بالضرورة أن العالم ليس صفة لقدرة الله ، ويلزم من مجموع هاتين المقدمتين القطع بأن قدرة الله تعالى في العالم ليست نفس العالم.
الوجه الثاني في إبطال هذا الكلام : أنه إذا قيل لنا : لم وجد العالم؟ كان جوابنا : إن قدرة الله تعالى اقتضت إيجاد العالم في الوجود ، [فعللنا وجود العالم في الوجود] (2) بأن الله تعالى أوجده ، فلو كان إيجاد الله للعالم عين العالم ، لكان قولنا : العالم إنما وجد بإيجاد الله تعالى معناه : أن العالم إنما وجد بنفسه ، ولو وجد العالم بنفسه لامتنع أن يقال : إنه وجد بإيجاد الله تعالى ، فثبت أنا لو فسرنا تأثير المؤثر في الأثر ، بنفس وجود ذلك الأثر ، لزم نفي المؤثر ونفي
Page 100