* الفصل الثالث
* في
* تقرير قول من يقول : هذه المقدمة استدلالية
أعلم أن الشيخ الرئيس أبا علي [ابن سينا] (1) مضطرب القول في هذا الموضوع ، وذلك لأنه أينما يذكر هذه المقدمة في كتبه الطويلة والمختصرة فإنه يدعي إقامة البرهان على صحتها ، ثم إنه يذكر تقسيمات طويلة خارجة عن المقصود ، ثم إذا انتهى إلى هذا القسم الذي هو المطلوب والمقصود فإنه يدعي فيه البديهة. وكل من طالع كتبه بالتأمل التام عرف أن الأمر كما ذكرناه. فهو في أول الأمر يدعي كونها استدلالية ، وفي آخر الأمر عند ضيق الكلام عليه يدعي كونها بديهية ، ورأيت أبا الحسين محمد بن علي البصري وهو كان من أذكياء المعتزلة احتج على صحة هذه المقدمة في الكتاب الذي سماه بالتصفح ، فقال : «الممكن هو الذي استوى طرفاه فلو حصل الرجحان من غير مرجح ، لزم أن يحصل الرجحان حال حصول الاستواء وذلك جمع بين النقيضين وهو محال ، ولقائل أن يقول : هذا التناقض غير لازم ، وذلك لأن الممكن هو الذي تكون ماهيته غير مقتضية لرجحان أحد الطرفين على الآخر [ونقيض القضية أن يقال : إن تلك الماهية مقتضية لرجحان أحد الطرفين على الآخر] (2) فأما أن يقال : إن حقيقته لا تقتضي الرجحان ، ثم إنه حصل الرجحان لا لذاته ولا لغيره ، فعلى هذا التقدير لا يلزم التناقض».
Page 87