أن المؤثر في هذه الحاجة ليس إلا الإمكان ، وبهذا الطريق يظهر لنا أن الإمكان علة الحاجة إلى المؤثر [وأما بيان أن الحدوث يمتنع كونه معتبرا في هذا الباب فسيأتي في تقريره فصل مفرد] (1).
والثاني : أن نترك الوجه الذي ذكرناه ، ونقول إن الممكن هو الذي يكون نسبة الوجود إليه كنسبة العدم ، ومتى اعتقدنا أن نسبة الوجود ونسبة العدم إليه على التساوي ، حكم صريح العقل بأنه يمتنع رجحان أحد الجانبين على الآخر إلا لأمر منفصل ، والعلم بأن الأمر كذلك علم بديهي ضروري ، ومن أنكر ذلك فقد فارق مقتضى عقله (2) لسانا ، ويعود إليه ضميرا ، وإذا عولنا على هذا الطريق فلا حاجة بنا إلى ذكر تلك الشبهات وتقرير تلك الأمثلة. فهذا هو الجواب عن السؤال الأول.
وأما السؤال الثاني : قولهم : «ان العقول كما جزمت بأنه لا بد للحادث من فاعل ، فكذلك جزمت بأنه لا بد للحادث من سبق مادة [ذهبت] (3) ومدة ومكان».
فنقول : هذا السؤال غير وارد على الفلاسفة ، فإنهم يلتزمون [أن الحادث] (4) كما أنه لا بد له من فاعل [سابق] (5) فكذلك لا بد له من مادة سابقة ، ومن مدة سابقة [وبهذا الطريق] (6) فهذا السؤال غير وارد عليهم. وأما القائلون بحدوث المادة والمدة ، فقالوا : الفرق بين البابين ظاهر ، أما المادة فلأنه لا نزاع أن الصور والأعراض تحدث عن محض العدم، [وإذا عدلنا حدوث بعض الأشياء عن محض العدم] (7) فكيف يمتنع في [أول] (8) العقل حدوث الذوات أيضا عن محض العدم؟ وأما المدة فقالوا لا شك أن بعض أجزائها سابق على البعض ، لا لأجل مدة أخرى وإلا لزم وقوع المدة في مدة
Page 84