أقل وذلك لأن الاستقراء يشهد بأن معادن الحديد والنحاس والرصاص والابوت أكثر بكثير من معادن الذهب والفضة ، ثم نقول أن معادن الذهب (والفضة) (1) أيضا مختلفة فمن الجبال ما يحتاج فيها إلى العمل الكثير الشاق حتى يحصل منه ذهب قليل ، ومنها ما لا يكون كذلك ، بل العمل القليل السهل قد يوصل إلى وجدان المال الكثير ، وبين هذين الطرفين أوساط متباينة الدرجات في القلة والكثرة ، ثم لا يزال يزداد الخير والكمال ، حتى أنه ربما انتهى الأمر إلى جبل يجد الانسان فيه غارا مملوءا من الذهب (والفضة) (2) (إذا عرفت هذه المراتب ظهر عندك : أن مثل هذا الجبل المشتمل على مثل هذا الغاز. يكون نادرا جدا ولا ينفق الوصول إليه ولا الفوز به إلا في الأدوار المتباعدة جدا) (3) وإذا عرفت هذا فنقول :
لتكن الأرواح البشرية جارية مجرى الجبال والتلال ، ولتكن أنوار معرفة الله ، ومحبته جارية مجرى الذهب الإبريز الخالص ، وكما أن أكثر جبال الدنيا وتلالها خالية عن المعادن ، فكذلك أرواح أكثر الخلق خالية عن الميل إلى عالم الروحانيات ، ثم إن هذا القسم لو بالغ في الرياضة الجسدانية فإنه يقل انتفاعه بها ، كما أن الجبل الخالي عن المعدن لو أتعب الإنسان نفسه في علاجه فإنه لا يجد فيه شيئا البتة.
وأما القسم الثاني : وهو الأرواح التي حصلت فيها هذه المعادن فكما أن الجبال المشتملة على معادن الذهب والفضة مختلفة ، فبعضها يحتاج فيه إلى العمل الكثير ليحصل الفوز بالنفع القليل ، فكذلك هذا القسم من الأرواح منها ما يحتاج إلى الرياضة الشديدة الكثيرة ، ليحصل له القدر القليل من هذه المكاشفات ، ومنها ما لا يكون كذلك ، بل العمل القليل يوصله الى الفوز بالنعم العظيمة.
Page 56