الإنجليزية. وفي المسرحية الأولى يشرح الكاتب انتقام الزوجة إذا أساء إليها زوجها وأنكر جميلها. وقد بلغ الانتقام بميديا أن قتلت ولديها كي تؤجج نارا حامية في صدر زوجها الذي أنكر عليها فضلها؛ إذ كانت قد أنقذت حياته في كثير من المخاطر. ومغزى القصة أن الشر يعقبه الألم، وأن الحياة الخلقية حياة جميلة، والحياة التي تحيد عن الخلق القويم محفوفة بالأشواك والأخطار.
وفي مسرحية هبوليتس يبين لنا الكاتب أن هذا الشاب أراد أن ينفي عاطفة الحب الجنسي من قلبه، فعرضته فينس ربة الحب لأشد الأخطار، انتقمت منه لاعتدائه على نفوذها، ودبرت مقتله على يدي أبيه؛ وذلك أنها أوقعت زوج أبيه في حبه، فقتلت الزوجة نفسها كي لا يتلوث شرفها بهذا الحب الدنيء، أو يلحقها العار لهذه الصلة التي لا يبررها عرف ولا قانون. وبرغم إعراض هبوليتس عنها ظن أبوه به الظنون، فاستنزل عليه لعنة السماء ودعا عليه بالموت، واستجابت الآلهة دعاءه، فقضت على حياته. ولا يدرك الأب نزاهة ابنه إلا وهو (هبوليتس) في النزع الأخير، فيتم بينهما التوفيق والتراضي في نهاية الأمر.
والآن أنتقل بالقارئ إلى المسرحيات، وأرجو أن يجد فيها لذة تعوضه الوقت الذي ينفقه في قراءتها.
ميديا
تمهيد
لبث «إيسن» ملكا على أيولكس في تساليا حتى أنزله «بلياس» عن العرش واستولى على الحكم. ثم أعقب إيسن ولدا سماه «جيسن»، وخشي عليه من عسف الملك الغاصب، فأذاع نبأ موته بين الناس، وأرسله خلسة إلى «كيرن» كي يتلقى عليه العلم والحكمة، وبقي الفتى تحت رعاية أستاذه عشرين عاما، وبعدئذ عاد إلى أيولكس، وطالب بعرش آبائه بكل جرأة وجسارة.
وذعر بلياس لعودة جيسن ذعرا شديدا، وقابله مقابلة حسنة، ثم قال له: إن الآلهة قد تجلت له في الحلم، وأمرتني أن أعيد الفراء الذهبي من كولكس. وقد استشرت كهنة دلفي فأجابوني بأني رجل مسن لا أحتمل أداء هذا الواجب، وذكروا لي أنك في شرخ الشباب، فأنت أقدر من يجرؤ على هذه المحاولة. ثم قال: «فاذهب، وقم لنا بهذا العمل. وإني أقسم لك بجوبتر خالق أمتنا أني سأتخلى لك بعد عودتك عن ولاية البلاد.» ولم يخش البطل الشاب المغامرة التي كان بلياس يؤمل أن تودي بحياته، فقام برحلة بحرية على سفينة آرجو، وأقلع إلى كولكس، وطالب بالفراء الذهبي. ولكن قبل أن يستطيع الاستيلاء عليه كان لا بد له أن يضع النير على كاهل ثورين وحشيين ينفثان النار من فيهما، وأن يستخدمهما بعدئذ في حرث قطعة معينة من الأرض، يبذر فيها أسنان أفعوان تثمر رجالا مسلحين يتحتم عليه فيما بعد أن يهزمهم. فإن نجح في هذا كان أمامه فوق ذلك خطر أعظم عليه أن يلاقيه؛ وذلك أن الفراء الذهبي كان في حراسة أفعوان وحشي يقظ ذي حجم هائل.
وكان لملك كولكس الهمجي ابنتان، أخذت كلتاهما عن أمهما علم السحر. وكانت إحداهما تستخدم علمها في أغراض دنيئة، أما الأخرى - واسمها ميديا - فكانت أشد من أختها ميلا إلى الخير، تحب الإنسانية وصنع المعروف، وتستخدم سحرها في تخفيف الويلات التي تجلبها قسوة أبيها على البلاد، وفي تحرير الأغراب من الأخطار التي تحيق بهم فوق أرضها وفي وطنها، وتمهد لهم سبيل النجاة. وعندما وقعت عيناها على جيسن أعجبها جمال صورته واعتدال قامته، فأحبته حبا جما، وبادلها الحب، وعاونته بسحرها على أداء مهمته، وأقسم لها يمين الإخلاص، وبرت بوعدها له، وأنقذته من كل ما تعرض له من خطر، ومكنته من الحصول على الفراء الذهبي، وفرت معه إلى بلاد اليونان.
وكان قد نما إلى بلياس أن كل من أقلع على ظهر آرجو قد هلك، فأقبل على أبي جيسن وأمه وأخيه وأعمل فيهم القتل كي لا يبقى له على وجه الأرض مطالب بالتاج. وبعدئذ عاد جيسن إلى أيولكس، ولكن ماذا عساه يصنع؟ هل يستطيع ومن معه أن يهزموا - وهم قلة - ملكا قويا جبارا عليه حراسة شديدة؟ أم هل يؤجج حربا أهلية ويقابل هذا الغاصب في ساحة القتال؟ وإذ هو في حيرة من أمره إذا بميديا تقدم له سحرها مرة أخرى، وتستطيع أن تقضي على حياة الملك وترد التاج إلى جيسن. وأحسن جيسن إلى بنات الملك وأبنائه صنعا، غير أنه آثر أن ينزل عن العرش لابن الملك المقتول، ويهاجر إلى كورنث مع ميديا وولديه.
وتلقاه «كريون» ملك تلك البلاد لقاء حسنا، واشتدت أواصر الصداقة بينهما. وعندئذ لم يرع جيسن لعهده السابق حرمة، فهجر ميديا وتزوج من ابنة كريون.
Page inconnue