جواز الخطأ عليه، وأما من لم تثبت عصمته، فجائز عليه الخطأ والمعصية والكفر، فنؤاخذه بظاهر كلامه، ولا يقبل منه ما أول كلامه عليه مما لا يحتمله، أو مما يخالف الظاهر، وهذا هو الحق" ا. هـ.
خطر صرف الكلام عن ظاهره:
وكذا قال في عدم التأويل لغير المعصوم الإمام نور الدين علي بن يعقوب البكري الشافعي، وقد حقق هذه المسألة حجة الإسلام١ أبو حامد الغزالي في أول الإحياء في كتاب العلم بما حاصله: أن الكلام إن كان ظاهرا في الكفر بالاتحاد، فقتل واحد ممن يقول به أفضل من إيحاء عشرة أنفس، وإن كان فهمه مشكلا، فلا يحل ذكره. وقال: إن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام بنقل عن صاحب الشرع، وبغير ضرورة تدعو إلى ذلك من دليل العقل٢ اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ، ثم قال: والباطن لا ضبط
_________
= ما لا يوافق مقاييسه وقيمه، وجب تأويله حتى لا يتعارض معه!! يجعلون المخلوق حاكما على الخالق، والعبد محددا للقيم التي يجب أن يؤمن بها الرب، ويوجبون على الله ألا يتكلم سبحانه إلا بما يتواءم وهوى عبيده، هكذا يفعل المؤولة، اقتداء بآلهتهم الفلاسفة، فما صاروا فلاسفة، وما قدروا على أن يعودوا مسلمين!! والقونوي هو أبو الحسن نور الدين المصري الشافعي، ولد سنة ٦٧٣، وتوفي سنة ٧٢٤هـ وهو من خصوم ابن تيمية، حتى لقد وثب مرة عليه، ونال منه.
١ إنما حجة الإسلام كتاب الله وسنة رسوله، وكيف يعتبر حجة للإسلام رجل يشهد على نفسه أنه رديء البضاعة في الحديث، وأنه لم يجد الحق إلا في التصرف؟.
٢ لو تركنا للعقل الحرية في صرف اللفظ عن ظاهره، أي: عن معناه الذي هو له لصارت الحقائق كلا نسبية أو اعتبارية، بل لما بقى حق واحد يؤمن به الفكر العام، ولعدنا إلى السفسطائية. إذ سيصبح جائزا لكل إنسان ادعاء أن هذا اللفظ، أو ذاك يجب صرفه عن ظاهره، لأن عقله يحكم بذلك، ولا يمكن لامرئ ما معارضته، ما دمنا قد وضعنا له من قبل قاعدة وجوب صرف اللفظ عن ظاهره إذا تعارض مع العقل!! والفلاسفة أنفسهم لم يجمعوا على حقيقة واحدة، بل آمن كل بإله ليس هو إله الآخر في ماهيته وصفاته، بل كان الفيلسوف يؤمن أو يكفر بما كفر أو آمن به من قبل، ونظرة واحدة إلى نتاج الفكر الفلسفي تبين لك عما فيه من تناقض حاد، وتضاد متوتر، فأي عقل من هذه العقول نجعله قيما على الحق، وحكما بين الخطأ والصواب.
1 / 67