إلا هو!! فعلوه لنفسه، وهو من حيث الوجود عين الموجودات، فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها، وليست إلا هو١. فهو العلي، لا علو إضافة، لأن الأعيان التي لها العدم الثابتة فيه، ما شمت رائحة من الوجود، فهي على حالها مع تعداد الصور في الموجودات والعين واحدة من المجموع في المجموع، فوجود الكثرة في الأسماء، وهي النسب، وهي أمور عدمية، وليس إلا العين الذي هو الذات، فهو العلي لنفسه، لا بالإضافة، فما في العالم من هذه الحيثية علو إضافة، لكن الوجوه الوجودية متفاضلة، فعلوا الإضافة موجود في العين الواحدة من حيث الوجوه الكثيرة، لذلك نقول فيه: هو، لا هو. أنت، لا أنت٢. قال الخراز٣
_________
١ هذا صريح جدا في الدلالة على أن ابن عربي يؤمن بوحدة الوجود المادية والروحية. وقد عبر عن إيمانه هذا بقوله: "فالمسمى محدثات هي العلي لذاتها" ثم زاد الكفر غلوا وتوكيدا، فقال: "وليست إلا هو" هكذا بأقوى وأوكد أسلوب من أساليب القصر. ولعل في هذا ما يكشف لك عن علة مقت الصوفية لكلمة التقوى والتوحيد "لا إله إلا الله" وقولهم بدلا عنها: "ليس إلا الله" أو "لا هو إلا هو" وبهذا دان الغزالي، وقرره في مشكاة الأنوار، أو "هو الله" أو "هو هو" مما يهولون به على المخابيل، ويهدفون به إلى تأييد مذهبهم في الوحدة: شهودية، أو وجودية.
٢ هو، وأنت: إيجاب، ولا هو، ولا أنت: سلب، فهما إذن نقيضان، لا يجتمعان، ولا يرتفعان. وإذا حكمت بثبوت أحدهما أو نفيه استلزم هذا لزوما قطعيا الحكم بنفي الآخر أو ثبوته. بيد أن الصوفية لا يحفلون في سبيل إثبات وجود العدم بقانون من قوانين اللغة أو الفكر، بل لديهم الجرأة البالغة على تكذيب ما يشهد به الحس، وما يقطع ببداهته العقل، والبين الجلي من كتاب الله.
ومعنى قول ابن عربي: إنك تستطيع أن تقول عن كل شيء إنه هو الله باعتبار هويته وماهيته، وتقول ليس هو الله بالنظر إلى اسمه الخاص به، وإلى أنه أحد تعينات الذات لا كل تعيناتها، وكذلك أفهم قوله: أنت لا أنت.
٣ هو أحمد بن عيسي أبو سعيد الخراز من صوفية بغداد، توفي سنة ٢٧٧هـ. وسيذكر ابن عربي صريحا أن الخراز هو الله سبحانه!!
1 / 63