آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾ وهذه كلها صور الستر التي دعاهم إليها، فأجابوا دعوته بالفعل، لا بلبيك ففي ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء﴾ إثبات المثل ونفيه١، وبهذا قال عن نفسه ﷺ: أنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد قومه ليلا ونهارا، بل دعاهم ليلا في نهار، ونهارا في ليل٢، فقال نوح في حكمته لقومه: ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [نوح: ١١] وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ﴾ أي: بما يميل بكم إليه، فإذا مال بكم إليه، رأيتم [١١] صورتكم
_________
= ومقام الكشف تجلي الحق في صورة كل موجود، ويبهت نوحا بالخداع والمكر، إذ غفر -أي: ستر- عن قومه الحق العلوي الذي هم به مؤمنون. وهو أن أصنامهم بعض مجالي الله وظهوراته، وتعالى الله عما يأفك الصوفية.
١ تقدم الرد على يفتريه هنا.
٢ يقصد بالليل باطن الذات الإلهية، وبالنهار ظاهرها. والباطن هو وجه الذات وغيبها المسمى حقا، والظاهر هو وجهها الآخر المسمى خلقا، ويذم نوحا بأنه دعا قومه ليلا ونهارا أي: إلى الإيمان بالحق -وهو الليل- وبالخلق، وهو النهار، وبأنهما غيران، ويمجد محمدا الذي يزعمه -وحاشا محمدا رسول الله ﷺ لأنه جمع في دعوته بين الدعوتين، إذ دعا قومه إلى الإيمان بأن الحق عين الخلق. وعبر الفاجر الزنديق عن هذا بقوله: ليلا في نهار، أي: حقا في خلق. وإلى الإيمان بأن الخلق عين الحق، وهذا ما يعبر عنه الشيطان بقول: نهارا في ليل. أي: خلقا في حق. أي: قال لهم: الواحد عين الكثير، والكثير عين الواحد. وبهذا البهتان الأثيم يفضل ابن عربي محمدا المزعوم على نوح الذي جهل أو مكر، فغاير بين الحق والخلق! فتأمل! تأمل الشيخ الأكبر في عرف الزنادقة أي: الصوفية إلى أي حد تبلغ القحة في جراءة كفره، فيصم نوحا بالشرك والكفر، ويفتري على محمد ﷺ أنه كان مشركا أصم الوثنية. ولكن كيف تعجب من رجل يجعل من الخنازير والجيف والقيح بما فيه من ميكروبات فتاكة، يجعل هذه آلهة له، وأربابا يفزع إليهم بالرجاء والأمل والحب والخوف.
1 / 48