بعد فهم البيت وتذوق جماله على نحو ما سبق في مطلب (المعنى)، يتجه المؤلف لاستخراج ما فيه من صور بلاغية على ضوء علوم البلاغة الثلاثة، فيذكر ما فيه من نكت ومحسنات بلاغية. وكان الأمر يتعلق بمستويين لقضية واحدة: المستوى الأول تذوق مباشر، يتلقى فيه الشارح التأثير مباشرة من النص على طريقة النقاد التأثريين، وكأنه أعزل من علوم البلاغة ومبادئ النقد. والمستوى الثاني محاولة تعليل ذلك التأثير بلاغيا، بذكر القاعدة التي تحكمه، والشواهد التي تؤيده. فلا يكاد يذكر المحسن حتى ينطلق إلى بسط القواعد البلاغية، وإيراد الشواهد الشعرية والنثرية مبتعدا هذه المرة عن النص سابحا في أجواء البلاغة والشعر، وهذا جلي في مطلب (البديع) أكثر من غيره، بينما يجنح في مطلب (المعاني) إلى التحليل والإحالة على الذوق، حاثا على التأمل.
ويتجاذب الإفراني قطبان: الأول قطب المعاني، والثاني قطب البديع. أما البيان فإن عمله فيه عادي جدا. فهو يهتم في جانب المعاني بقيمة الكلمة في موقعها من التركيب فناقش دلالة أدوات العطف، والاستفهام، وأل، وأن، وإذا، والفرق بين صفة اسم الفاعل واسم المفعول، كما ناقش التقديم والتأخير، والإضافة والإظهار، والإضمار، والفرق بين الأزمنة، والتعريف والتنكير، والنداء، وصيغ الجمع، والاستئناف، والحال، ونكتا بلاغية أخرى يستفيدها من الكتب التطبيقية كالكشاف للزمخشري.
[ص34]
إلى جانب القيمة التي تكسبها الكلمة من موقعها في التركيب، يهتم المؤلف بالملابسات التاريخية والاجتماعية التي تكسب الكلمة إيحاء خاصا، وتجعلها متقدمة على غيرها في موضعها، فكلمة "الصبا" في البيت الثاني تكسب قيمتها من ارتباطها باليمن، واستدل لذلك بقول الرسول: "نصرت بالصبا"(¬1)[69]، ومن إرسال الشعراء لها، وانتشاقهم لأريج هبوبها لأنها غالبا ما تكون في الأسحار(¬2)[70].
Page 37