كان سام وإدجار ينفقان مصروفهما الشخصي بالكامل، والذي لم يكن مبلغا كبيرا، على الطعام. في البداية، كانا يتناولان الهوت دوج في مطعم كوزي جريل. ثم رأى سام أن يسيرا لمسافة أبعد إلى متجر البقالة لشراء عبوة تارت مربى أو بسكويت فيج نيوتونز المحشو بالتين. كان عليهما أن يأكلا كل هذا في طريقهما إلى المنزل، بسبب قاعدة عدم تناول الطعام في غرف النوم. كان يحبان الهوت دوج، لكنهما لم يشعرا بالراحة قط في مطعم كوزي جريل، الذي كان ممتلئا بطلاب المدرسة الثانوية الصاخبين، الذين كانوا أصغر عمرا وأكثر وقاحة منهما كثيرا. استشعر سام إمكانية تعرضهما للإساءة منهم، على الرغم من أن هذا لم يحدث قط. في طريق عودتهما إلى نزل كرناجان من متجر البقالة، كانا يمران بمطعم كوزي جريل ثم متجر ديكسون، وهو صيدلية بها مكان لبيع الآيس كريم في الخلف. كان ذلك هو المكان الذي كان زملاؤهما في كلية التجارة يقصدونه لتناول مشروب الكولا بالكرز والآيس كريم بالموز بعد انتهاء اليوم الدراسي وفي الأمسيات. عند المرور على نوافذ متجر ديكسون، كانا يتوقفان عن الأكل، ويسيران في تبلد ناظرين أمامهما مباشرة. ما كانا ليدخلا إلى هناك أبدا.
كانا الصبيين الوحيدين في كلية التجارة اللذين تربيا في الريف، وكانت ملابسهما تميزهما عن الآخرين. لم يكن لديهما كنزات ذات ياقات على شكل حرف في بلون أزرق أو بني فاتح، ولم يكن لديهما بناطيل رمادية اللون تشبه في هيئتها بناطيل البالغين، لم يكونا يرتديان إلا بناطيل صوفية ضيقة، وكنزات سميكة منسوجة منزليا، وسترات بذلات قديمة كانا يرتديانها كمعاطف رياضية. كانا يرتديان قمصانا ورابطات عنق؛ لأن ذلك كان مطلوبا، لكن لم يكن أي منهما يملك إلا رابطة عنق واحدة وقميصين. لم تكن الآنسة كرناجان تسمح إلا بغسيل قميص واحد في الأسبوع؛ لذا كانت أساور وياقات سام وإدجار عادة قذرة، بل كانت توجد عليها بقع - ربما جراء تارت المربى - لم ينجحا في التخلص منها.
كانت توجد مشكلة أخرى، تتعلق جزئيا بالملابس وجزئيا بالأجساد داخلها. لم يكن يوجد ماء ساخن كثير في النزل، وكانت أليس بيل تستخدم أكثر من حصتها. في الصباح المبكر جدا، كان الصبيان ينضحان أيديهما ووجهيهما بالماء كما كانا يفعلان في بيتهما. كانا يتحاملان على أنفسهما واعتادا على رائحة جسديهما القذرة، وملابسهما التي كانوا يرتدونها باستمرار، وهو ما يعد علامة على مثابرتهما وكدهما. ربما كان هذا لحسن حظهما، وإلا كانت الفتيات ستنجذب أكثر إلى إدجار، الذي كان مظهره يروق لهن، وليس إلى سام، ذي الشعر رملي اللون المنسدل، والنمش، الذي كانت لديه عادة خفض رأسه إلى أسفل، كما لو كان يفكر في شيء ما. كانت ستصبح بينهما فجوة. أو، بعبارة أخرى، كانت الفجوة ستظهر بينهما أسرع. •••
حل الشتاء وتوقفا عن تقديم عروض الأكروبات في الباحة الخالية. كان سام وإدجار يأملان الآن في أن يذهبا للتزلج. كانت حلبة التزلج على مسافة مربعين سكنيين فقط، في شارع أورانج. وفي ليالي التزلج، أيام الاثنين والخميس، كانا يستطيعان سماع الموسيقى. كانا قد أحضرا حذاءي التزلج معهما إلى جالاجر. كانا يتزلجان منذ أمد بعيد، على بركة المستنقع أو في حلبة التزلج الخارجية في القرية. يتكلف التزلج هنا خمسة عشر سنتا، وكانت الطريقة الوحيدة التي يستطيعان من خلالها تحمل تكلفة ذلك هي التنازل عن تناول الطعام الإضافي. لكن الطقس البارد كان يذكي شهيتهما أكثر وأكثر.
سارا إلى حلبة التزلج في ليلة أحد عندما لم يكن أحد موجودا، ومرة أخرى في ليلة اثنين بعد انتهاء فترة التزلج المسائية ولم يكن ثمة أحد يمنعهما من الدخول إلى هناك. دخلا واختلطا بالناس الذين كانوا يغادرون حلبة التزلج ويخلعون أحذية التزلج. دققا النظر جيدا فيما حولهما قبل إطفاء الأنوار. في طريق عودتهما إلى المنزل، وفي حجرتهما، كانا يتحدثان بصوت خفيض. كان سام مستمتعا وهو يضع خطة للدخول للحلبة مجانا، لكنه لم يتصور نفسه هو وإدجار يفعلان ذلك حقيقة. أخذ إدجار على محمل التسليم أنهما سينتقلان من التخطيط إلى التنفيذ.
قال سام: «لا نستطيع تنفيذ ذلك ... جسدانا ليسا صغيرين بما يكفي.»
لم يرد إدجار، فاعتقد سام أن ذلك كان نهاية الأمر. لكن كان يجدر به أن يعرف أن تلك ليست نهاية الأمر.
حلبة التزلج في شارع أورانج، في ذاكرة سام، عبارة عن بناية متهالكة، مظلمة، طويلة. يظهر ضوء خافت، متحرك خلال الشقوق بين الألواح الخشبية. كان يأتي مصدر الموسيقى من تسجيلات جرامافون خشنة وحادة الصوت؛ يعتبر استماع المرء إليها مثل محاولة الاستماع إلى الموسيقى عبر حاجز مهتز من الأشجار الشائكة. «حكايات من غابات فيينا»، «الأرملة الطروب»، «فالس الذهب والفضة»، «الجمال النائم». يأتي الضوء المتحرك الذي يرى عبر الشقوق من مصدر ضوء يسمى «القمر». القمر، الذي يلمع من سقف حلبة التزلج، عبارة عن مصباح أصفر في علبة من صفيح كبيرة، علبة مشروب، قطع أحد أطرافها. تطفأ جميع الأضواء الأخرى عند إضاءة القمر. تسمح مجموعة من الأسلاك والحبال بجذب العلبة الصفيح في هذا الاتجاه أو ذاك؛ مما يخلق انطباعا بوجود مصدر ضوء متحرك؛ حيث يجري إخفاء المصباح الأصفر القوي، مصدر الضوء، تماما.
كان بعض العمال المؤقتين هم الذين يتحكمون في القمر. كانوا صبية تتراوح أعمارهم بين العاشرة أو الحادية عشرة والخامسة عشرة أو السادسة عشرة. كانوا ينظفون الثلج ويجرفون الثلوج الزائدة خارج باب الثلج، الذي كان عبارة عن باب قلاب مركب بإحكام في مكان منخفض في الحائط، مغلق من الداخل. بالإضافة إلى الحبال التي كانت تتحكم في القمر، كانوا يتعاملون مع المصاريع التي كانت تغطي الفتحات في السقف؛ التي كانت تفتح من أجل دخول الهواء، وتغلق مع الهطول الشديد للثلوج. كان هؤلاء العمال يجمعون رسوم الدخول وكانوا في بعض الأحيان يخدعون الفتيات اللائي كن يخفن منهم ولا يعطونهن باقي نقودهن، لكنهم لم يكن بإمكانهم خداع بلينكر، الذي جعلهم يعتقدون أنه كان يعد جميع من يدخل للتزلج في الحلبة. كان بلينكر صاحب الحلبة، رجلا شاحب الوجه، نحيفا، غير ودود. كان يجلس هو وأصدقاؤه في غرفته، خلف حمام الرجال وغرفة تبديل الملابس. كان في الغرفة موقد خشبي، عليه إناء قهوة طويل، مسود، مخروطي الشكل، وبعض المقاعد مستقيمة الظهر التي تنقصها بعض الروافد، وبعض المقاعد ذات الذراعين، القديمة، القذرة. كانت الألواح الخشبية في الأرضية، مثل جميع الأرضيات والمقاعد والألواح الجدارية في الحلبة، مشقوقة ومخدوشة جراء آثار أحذية التزلج الجديدة والقديمة ويسودها الدخان والغبار. كانت الغرفة التي كان يجلس فيها مع أصحابه حارة ومليئة بالدخان ويقال إنهم كانوا يشربون خمرا فيها، على الرغم من أنها كانت في الغالب مجرد قهوة في أقداح غير نظيفة مصنوعة من المينا. يقال إن صبية دخلوا ذات مرة إلى الغرفة قبل وصول الرجال، وتبولوا في إناء القهوة. ويقال أيضا إن أحد أصدقاء بلينكر فعل ذلك عندما ذهب لجمع رسوم الدخول.
قد يكون العمال مشغولين أو واقفين دون عمل حول أجزاء الحلبة، يتسلقون سلالم الحوائط، ويسيرون بطول المقاعد، أو حتى يجرون بطول المنصة، التي لم يكن بها حاجز حماية، تحت فتحات السقف. في بعض الأحيان، كانوا يمرقون عبر هذه الفتحات إلى السقف، ويعودون بالطريقة ذاتها. بالطبع، كان البعض منهم يتزلج. كانوا يدخلون الحلبة مجانا.
Page inconnue