من خطبة للحجاج
كان الحجاج قد أمر عتابا بطاعة المهلب، فكبر ذلك على عتاب، ووقع بينه وبين المهلب شر كبير، حتى كتب عتاب إلى الحجاج يستعفيه من ذلك ويضمه إليه، وقد أحضره الحجاج ووجهه لمحاربة شبيب على رأس ذلك الجيش. وقد اختاره الحجاج بعد أن رأى توالي انتصارات شبيب.
قالوا: وقام الحجاج في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أيها الناس، والله لتقاتلن عن بلادكم وعن فيئكم، أو لأبعثن إلى قوم هم أطوع وأسمع وأصبر على اللأواء والقيظ منكم، فيقاتلون عدوكم، ويأكلون فيأكم.»
قالوا: فقام إليه الناس من كل جانب فقالوا: «نحن نقاتلهم ونعتب الأمير، فليندبنا الأمير إليهم فإنا حيث سره.»
نصيحة زهرة بن حوية
وقام إليه زهرة بن حوية، قالوا: وهو شيخ كبير لا يستقيم قائما حتى يؤخذ بيده، فقال: «أصلح الله الأمير، إنك إنما تبعث إليهم الناس متقطعين، فاستنفر الناس إليهم كافة، وابعث عليهم رجلا ثبتا شجاعا مجربا للحرب، ممن يرى الفرار هضما وعارا، والصبر مجدا وكرما.»
فقال الحجاج: «فأنت ذاك فاخرج.»
فقال: «أصلح الله الأمير، إنما يصلح للناس - في هذا - رجل يحمل الرمح والدرع ويهز السيف ويثبت على متن الفرس. وأنا لا أطيق من هذا شيئا، وقد ضعف بصري وضعفت.
ولكن أخرجني في الناس مع الأمير، فإني إنما أثبت على الراحلة، فأكون مع الأمير في عسكره وأشير عليه برأيي.»
فقال له الحجاج: «جزاك الله عن الإسلام وأهله - في أول الإسلام - خيرا، وجزاك الله عن الإسلام وأهله - في آخر الإسلام - خيرا، فقد نصحت وصدقت، أنا مخرج الناس كافة.» ثم دعا الحجاج - بعد أن اختار عتاب بن ورقاء أشراف الكوفة وفيهم زهرة بن حوية - فقال لهم: «من ترون أبعث على هذا الجيش؟»
Page inconnue