نصيحة الجزل
فقال الجزل لعبد الرحمن: «يا ابن عم، إنك تسير إلى فرسان العرب وأبناء الحرب وأحلاس الخيل، والله لكأنما خلقوا من ضلوعها ثم بنوا على ظهورها.
ثم هم أسد الأجم، الفارس منهم أشد من مائة، إن لم تبدأ به بدأ بك، وإن هجهج أقدم. فإني قد قاتلتهم وبلوتهم، فإذا أصحرت لهم انتصفوا مني، وكان لهم الفضل علي، وإذا خندقت عليهم وقاتلتهم في مضيق نلت منهم بعض ما أحب، وكان لي عليهم الظفر. فلا تلقهم - وأنت تستطيع - إلا في تعبئة أو في خندق.»
في أثر شبيب
خرج عبد الرحمن بجيشه - بعد أن شكر الجزل على نصيحته القيمة - فلما دنا من شبيب ارتفع عنه شبيب إلى مكان آخر، فخرج عبد الرحمن في طلبه حتى إذا كان على التخوم أقام وقال: «إنما هو في أرض الموصل فليقاتلوا عن بلادهم أو ليدعوه.»
ولكن كتابا من الحجاج جاءه يقول:
أما بعد فاطلب شبيبا واسلك في أثره أين سلك حتى تدركه فتقتله أو تنفيه، فإنما السلطان سلطان أمير المؤمنين والجند جنده والسلام.
قالوا: «فخرج عبد الرحمن - حين قرأ كتاب الحجاج - في طلب شبيب فكان شبيب يدعه، حتى إذا دنا منه بيته، فيجده قد خندق على نفسه وحذر، فيمضي ويدعه، فيتبعه عبد الرحمن، فإذا بلغه أنه تحمل وأنه يسير أقبل في الخيل، فإذا انتهى إليه وجده قد صف الخيل والرجال وأدنى الرامية فلا يصيب له غرة، فيمضي ويدعه.»
قالوا: «ولما رأى أنه لا يصيب لعبد الرحمن غرة ولا يصل إليه جعل يخرج حتى إذا دنا منه عبد الرحمن في خيله فينزل عن مسيرة عشرين فرسخا ثم يقيم في أرض غليظة جدبة، فيجيء عبد الرحمن فإذا دنا من شبيب ارتحل.»
وما زال شبيب يعذبهم حتى شق عليهم وأحفى دوابهم ولقوا منه كل بلاء. ولما التقى الجيشان في «جوخا» أرسل شبيب إلى عبد الرحمن: «إن هذه الأيام أيام عيد لنا ولكم، فإن رأيتم أن توادعونا حتى تمضي هذه الأيام فافعلوا.» فرضي بذلك عبد الرحمن.
Page inconnue