وقد استطاع أصحابه - وعدتهم سبعون رجلا - أن يصلوا إلى الحصن ويدخلوه بفضل هذه النصيحة الحكيمة، وكان ذلك في المساء. ولم يلبثوا في الحصن إلا قليلا حتى قال لهم شبيب: «ما تنتظرون؟ فوالله لئن صبحكم هؤلاء غدوة إنه لهلاككم.»
فقالوا له: «مرنا بأمرك.»
فقال لهم: «إن الليل أخفى للويل، بايعوا من شئتم ثم اخرجوا بنا حتى نشد عليهم في عسكرهم، فإنهم لذلك منكم آمنون وأنا أرجو أن ينصركم الله عليهم.»
قالوا له: «فابسط يدك فلنبايعك.»
فبايعوه، ثم خرجوا، فلم يشعر أعداؤهم إلا وشبيب وأصحابه يضربونهم بالسيوف في جوف عسكرهم، فضاربوهم حتى صرع قائدهم «الحارث» فاحتمله أصحابه وانهزموا وخلوا لهم المعسكر وما فيه.
وهكذا استطاع شبيب - بفضل شجاعته وإقدامه وبعد نظره - أن يغنم موقعة خاسرة وأن ينتصر في موقف كل ما فيه ينطق بأن الهزيمة لا بد حائقة به، والخذلان لا بد مكتوب عليه، كما استطاع أن يهزم الجيش الذي قتل صالحا وكاد يقضي على أصحاب صالح وشبيب، وتم لشبيب النصر بفضل إقدامه وحزمه.
قالوا: «وكان ذلك الجيش أول جيش هزمه شبيب.» (2-3) نصر جديد
وعظم أمر شبيب بعد هذه الوقعة، ولم يلبث أن رأى فيه الحجاج مناوئا خطرا وخصما لدودا، وبعث الحجاج إلى «سفيان الخثعمي» أن يسير حتى ينزل بالدسكرة فيمن معه، ثم يقيم حتى يأتيه جيش الحارث بن عميرة الهمداني «الذي قتل صالح بن مسرح» فيسيروا جميعا إلى شبيب لمناجزته.
ولكن سفيان عجل الارتحال في طلب شبيب فلحقه بخانقين في سفح جبل.
قالوا: وأصحر لهم شبيب ثم ارتفع عنهم - كأنه يكره لقاءه - وكان شبيب قد أكمن له أخاه ومعه خمسون، فحسبوا شبيبا قد هرب فأسرعوا خلفه، حتى إذا جازوا الكمين عطف عليهم وخرج الكمين من خلفهم، فحمل شبيب عليهم من أمامهم وصاح بهم الكمين من ورائهم، فكانت الهزيمة لهم والنصر لشبيب. وقد خر سفيان بين القتلى ثم حمل جريحا، بعد أن استبسل في قتاله، وأخبر الحجاج بما كان من أمره فقبل عذره وكتب إليه الحجاج:
Page inconnue