فنقول: بم تنكرون على خصومكم إذ قالوا: قدم العالم محال لأنه يفضي (¬3) إلى إثبات دورات للفلك لا نهاية لأعدادها ولا حصر لآحادها، مع أن لها سدسا وربعا ونصفا، فإن فلك الشمس يدور في سنة، وفلك زحل في ثلاثين سنة، فتكون دورة زحل ثلث عشر أدوار الشمس، وأدوار المشتري نصف سدس أدوار الشمس، فإنه يدور في اثنتي عشرة سنة. ثم كما أنه لا نهاية لأعداد دورات زحل؛ لا نهاية لأعداد دورات الشمس مع أنه ثلث عشره، بل لا نهاية لأدوار فلك الكواكب الذي يدور في ست وثلاثين ألف سنة مرة واحدة، كما أنه لا نهاية للحركة المشرقية التي للشمس في اليوم والليلة مرة واحدة.
فلو قال قائل: هذا مما يعلم استحالته ضرورة، فبماذا تنفصلون عن قوله؟ بل لو قال قائل: أعداد هذه الدورات شفع أو وتر، أو شفع ووتر معا (¬1)، أو لا شفع ولا وتر.
فإن قلتم: شفع ووتر جميعا، أو لا شفع ولا وتر! فيعلم بطلانه ضرورة. وإن قلتم: شفع، فالشفع يصير وترا بواحد! فكيف أعوز ما لا نهاية له واحد؟ وإن قلتم: وتر، فالوتر يصير شفعا بواحد! فكيف أعوز ذلك الواحد الذي به يصير شفعا؟ فيلزمكم القول بأنه ليس بشفع ولا وتر.
فإن قيل: إنما يوصف بالشفع والوتر المتناهي، وما لا يتناهى لا يوصف به.
قلنا: فجملة مركبة من آحاد لها سدس وعشر / (¬2) كما سبق ثم لا توصف بشفع ولا وتر يعلم بطلانه ضرورة من غير نظر، فبم تنفصلون عن هذا؟
فإن قيل: محل الغلط من قولكم: أنه جملة مركبة من آحاد، فإن هذه الدورات معدومة. أما الماضي فقد انقرض وأما المستقبل فلم يوجد، والجملة إشارة إلى موجودات حاضرة، ولا موجود هاهنا!.
Page 75