فمن احتج بها منهم على صحة قوله لم تنفعه، ومن احتج بها على فساد قول خصمه نفعه ذلك؛ لكن فساد قول خصمه لا يستلزم صحة قوله؛ إذا أمكن أن يكون الحق في قول ثالث: وهو قول أكثر أهل الحديث وأئمتهم، ومن وافقهم من أهل الفلسفة والكلام.
ومثل هذا كثير في أهل البدع من المتكلمين والفلاسفة؛ يفضي بهم النظر إلى: بيان فساد قول الطائفتين، أو تكافؤ أدلتهما، أو فساد دليلهما، ولا يهتدون للفرقان. ولهذا كان الرازي واقفا في هذه المسألة؛ فإنه رأى أن أدلة المتكلمين على حدوث الأجسام أيضا متعارضة عنده؛ فلما تبين ضعف أدلة الطائفتين على: حدوث الأجسام، وقدم العالم؛ بقي واقفا في المسألة.
وهذه حال طائفة من حذاق المتفلسفة: كابن رشد الحفيد (¬1)، وابن الطفيل (¬2) -صاحب رسالة حي بن يقظان- وأمثالهما؛ كانوا واقفين حائرين في هذه المسألة. وكذلك حال طوائف من رؤوس المبتدعة من أهل الكلام والفلسفة، بل هو نهاية نظر حذاقهم.
وقد بسطنا الكلام في ذلك، وبينا: أن الطريقة السلفية النبوية الشرعية (¬3): توافق ما مع كل طائفة من الحق، وتوضح فساد الشبه، في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا: أن نبين أن الفضلاء تفطنوا لفساد هذه الحجة بالمعارضة، وهذه الطريق: هي طريقة حسنة في إبطال الأقوال المخالفة للكتاب والسنة: بأن نبين أنها في نفسها متعارضة مستلزمة للجمع بين النقيضين. وكل ما استلزم الجمع بين النقيضين فهو باطل.
Page 72