وبعد أن أتم الفتح رأى رسول الله أن يقر أهل خيبر في بلدهم ويترك الأرض في أيديهم يزرعونها بشطر ما يخرج منها؛ إذ قالوا: نحن أعلم بها منكم وأعمر لها، فصالحهم على ذلك وعلى أنه إذا شاء أخرجهم. وقد حدث أن بلالا استبى، فيمن استبى المسلمون في خيبر، امرأتين هما صفية بنت حيي بن أخطب وأخرى معها، فلما مر بهما على قتلى يهود صرخت المرأة وأعولت وحثت التراب على وجهها، فقال رسول الله: أغربوا عني هذه الشيطانة، وأخذ «صفية» خلف ظهره، فكانت «صفية» من المغنم، ولام بلالا على مروره بالمرأتين على قتلى قومهما وقال له: «نزعت منك الرحمة يا بلال؟ تمر بالمرأتين على قتلى قومهما!»»
نتائج غزوة خيبر
وقد استعقب فتح خيبر صلح يهود فدك وتيماء ووادي القرى، وانتهى الأمر ببقاء الأرض في أيدي سكانها بشطر ما يجتمع منها على نحو ما كان بخيبر، واختصاص رسول الله بملك أرض فنزلها، كما أن المسلمين قد أمنوا شر اليهود.
أي إنه كان من أثر غزوة خيبر القضاء على قوة اليهود الاقتصادية والسياسية والدينية في البلاد الحجازية، وانقطاع الخصومة بينهم وبين المسلمين. وبقي قليل من اليهود في مصر، وهم من بني قينقاع الحجاز، مطمئنين كما ورد في سيرة ابن هشام و«المغازي» للواقدي. ولعل مما ساعد على إقامتهم مهارتهم الصناعية والحسابية، وفي الجزء الثاني من تاريخ الخميس ص156، أنه لما توفي عبد الله بن أبي بكى عليه اليهود، ووقف النبي محمد على قبره وعزى ابنه وألبسه قميصه. ويقول البلاذري: إن الرسول صالح أهل مقنا اليهود وبني حبيبة «أو حنينة» على ربع عروكهم أخشبهم وغزولهم وربع كراعهم وثمارهم.
وعند الواقدي (ص271) أن عمر أجلى آل الحاراث أبي زينب المشهورين إلى أريحاء بأرض فلسطين. فأما الأسر التي كانت لها معاهدات مع الرسول فقد أقرها عمر وبقيت الأغلبية لليهود في وادي القرى إلى القرن الحادي عشر الميلادي، وبقيت منهم طوائف تيماء في القرن الثاني عشر الميلادي. ثم انعدم وجودهم في الحجاز بهجرتهم وإسلامهم أو اندماجهم في الأعراب.
أما في بلاد اليمن وفي جهات مختلفة من الجزيرة العربية فلا تزال لهم طوائف إلى اليوم.
اليهود في اليمن
لم تعتمد الدعوة اليهودية الدينية في اليمن على العصبية اليهودية التي ظهرت في البلاد العربية الحجازية. بل إن سكانا في اليمن منهم ملوك حمير اتخذوا الموسوية دينا ثم انضم إليهم مهاجرون من يهود شمالي شبه الجزيرة العربية، نافرين من الرهبان المسيحيين والنجرانيين والحبشيين؛ لأنهم جميعا كانوا أداة في يد ملوك القسطنطينية لنشر النصرانية والقضاء على الموسوية، ويبدو أن الموسوية ظهرت في اليمن قليلا قبل المسيحية والإسلام، ثم زادت تبعا لانتشارها شيئا فشيئا في سوريا والبلاد العربية.
سيل العرم
يقول جلازر: إن منقوشات يمنية تدل على أن سيل العرم لم يحدث في مرة واحدة، بل في مرات عديدة، وأنه كان نتيجة إهمال شديد لهذا السد العظيم وليس نتيجة أحداث الطبيعة من الأمطار والسيول ونحوها، وهناك من ينكر وجود سيل العرم هذا.
Page inconnue