بالتأمل في الوثائق السالفة يتبين أن الساسة البريطانيين كانوا معترفين ومسلمين بكامل حقوق مصر في السودان قبل وبعد استعادته. وإن رفع العلم المصري فوق فاشودة على مرأى من مارشان وفرقته، وتحية الجنود البريطانية المرافقة للسردار هربرت كتشنر لهذا العلم، هذا وحده حجة دامغة بيد مصر على الاعتراف والتسليم بحقوقها في هذا الإقليم. وإن أمر استعادته أو فتحه - على ما يسميه الإنجليز - إنما شرع فيه أيضا وتم من أجل مصر فقط، لا سيما أن هذا حدث كله بعد واقعة كرري النهائية التي كانت الفصل الأخير في رواية سقوط حكم الدراويش، وعودة السودان إلى مصر.
ثم إن المراسلات التي تبادلها الوزيران المصريان مع معتمد بريطانيا العام في مصر لها أهمية خاصة، من حيث حفظ حقوق مصر؛ إذ لم يكن في استطاعة وزير مصري أن يقدم على مثل هذه الكتابة لو لم يوعز إليه من المعتمد البريطاني بها. وهنا أيضا أمر آخر جدير بالاعتبار، وهو أن المعتمد البريطاني تسلم الكتابين ولم يبد منه أي امتعاض أو احتجاج، ثم بلغ فحواهما إلى حكومته.
فهذا المسلك فيه ما فيه من اعتراف صريح بحقوق مصر ومطالبها. وهي تنحصر في أن السودان جزء متمم لمصر غير قابل للانفصال عنها.
الدور الخامس
اتفاقية 19 يناير سنة 1899
بين مصر وإنجلترا
ندون فيما يلي نص اتفاقية السودان التي عقدت بين مصر وإنجلترا في 19 يناير سنة 1899م، وها هو نقلا عن جريدة الوقائع المصرية، العدد الخاص الصادر في يوم الخميس 7 رمضان سنة 1316ه/19 يناير سنة 1899م، القسم الرسمي:
وفاق
بين حكومة جلالة ملكة الإنجليز وحكومة الجناب العالي خديو مصر بشأن إدارة السودان في المستقبل
حيث إن بعض أقاليم السودان التي خرجت عن طاعة الحضرة الفخيمة الخديوية قد صار افتتاحها بالوسائل الحربية والمالية، التي بذلتها بالاتحاد حكومتا جلالة ملكة الإنجليز والجناب العالي الخديوي.
Page inconnue