وكتب عن هذه الفظائع القس الأرثوذكسي «فرانتزيس» ما ترجمته:
وكانت البنات التي تريد الهروب من أيدي القتلة تجري نحو شاطئ البحر وعلى أجسادها أثر الرصاص، ومع ذلك كانت ترمى وتقتل، وكانت النساء يحمل أكثرهن الأطفال على الذراع فيمزق المعتدون ملابسهن، والتي كانت تلقي بنفسها إلى البحر لتستر عورتها كانت ترمى كذلك بالرصاص وتقتل، وقد هشمت رءوس بعض الأطفال الذين اختطفوا من أمهاتهم، وألقى اليونانيون في عميق البحار بناتا وأطفالا لم يتجاوز أغلبهم الرابعة أو الخامسة من العمر كأنهم قطع من لحوم الكلاب.
وفي 5 أكتوبر نفسها استولى ثوار اليونان بعد حصار طويل على مدينة «تريبوليتزا»، وإنه يستحيل على كاتب شرقي أو غربي مهما كانت بلاغته وقوة إنشائه وعظيم تأثيره أن يصف المذابح الهائلة البهيمية - أو التي لا اسم لها - التي أتاها اليونانيون، بل يكفي القارئ أن يعلم أن اليونانيين ذبحوا في «تريبوليتزا» ثمانية آلاف من الرجال، وفوق ذلك من النساء، وأن المذابح استمرت ثلاثة أيام كاملات، حتى فسد الجو وتغير الهواء، وانتشر من بعدها الوباء حيث عم كل بلاد اليونان، وجاء من المنتقم الجبار منتقما للأبرياء الشهداء من الظالمين المجرمين السافكين للدماء.
وقد كتب أغلب كتاب أوروبا إلا من أعماهم الغرض والتعصب على هذه الفظائع، ووصفوها كما تستحق، فقال عنها الكاتب الإنكليزي «فنلي» المشهور - وكان قد شهد الحادثة بعينه - في كتابه «تاريخ اليونان»:
إن منظر هذه المذابح لا يعادله منظر في تاريخ البشر، لا في فظاعته ولا في طول مدته.
وقد أحدثت هذه الفظائع في الآستانة تأثيرا شديدا جدا، وهاج الأهالي طالبين عقاب اليونانيين الذين لهم يد في جمعية الهيتري؛ فقام عندئذ شيخ الإسلام ونصح المسلمين بالسكينة والاعتدال، وعدم الاعتداء على الأبرياء انتقاما من الآفكين، وسيرى القارئ أن اليونانيين كافأوا شيخ الإسلام هذا بأن قتلوه هو وعائلته بعد ندائه في صالح الأبرياء منهم.
فلما علم المرحوم «السلطان محمود» بما عمله اليونانيون بدسائس جمعية الهيتري؛ أمر بتفتيش منازل بعض اليونانيين المشتبه فيهم، وعمل تحقيق تام على كل الذين اشتبه في أمرهم؛ فأبان التحقيق إدانة الكثيرين من اليونانيين، ومنهم «موروزي» الذي كان للسلطان به ثقة عظمى، فاستعملها في تبليغ أعضاء الهيتري أسرار السياسة العثمانية، والبطريرق «جريجوريوس» فأمر السلطان بإعدام الجميع عبرة لغيرهم من المفسدين والثوار.
أما في أتينا، فقد اتبع اليونانيون خطتهم الدموية بنفسها، فأسالوا الدماء بكثرة عظيمة، ولم يرحموا أحدا من المسلمين.
وقد انتشر بعض أعضاء الهيتري في أزمير، وجعلوا غايتهم جمع الأموال بأدنى الوسائل وأسفل الطرق، وإلقاء الخوف والرعب في نفوس اليونانيين المقيمين بأزمير. فأشاعوا الإشاعات المختلفة عن نوايا الدولة العلية نحو اليونانيين حتى اضطرت العائلات اليونانية كلها إلى المهاجرة من أزمير، فاستفاد أعضاء الهيتري من هذه المهاجرة أنهم جمعوا أموالا كثيرة، وأوهموا أوروبا بأن سبب هذه المهاجرة ظلم الدولة العلية، وسوء معاملتها لليونانيين!
ومما يؤكد ذلك أن أحد رجال فرنسا بعث من أزمير بكتاب إلى وزير البحرية الفرنساوية في ذلك الحين جاء فيه:
Page inconnue