الإمبراطورة الحالية وايزو منن.
على أنني رأيت أن تاريخ «إثيوبيا» يتسع أمامي أحيانا وينبهم أحيانا أخرى، ثم تفاقم النزاع بين الحبشة وإيطاليا منذ حادث ولوال إلى اليوم؛ حيث أصبح القتال دائرا فعلا بين الإيطاليين والحبشان في الأرض الحبشية ذاتها ، وأصبحت الحرب بين الفريقين مهددة السلام العالمي كله؛ مما دعا عصبة الأمم إلى موالاة الانعقاد - بلجانها ومجلسها - وحفز إنجلترا للاستعداد الحربى الوافي في حوض البحر الأبيض المتوسط، وأصبحت مصر معسكرا حربيا، ويوشك أن تتخذ فيها إجراءات استثنائية تحوطا للطوارئ.
أمام هذا كله رأيت أن الكلام على «المسألة الحبشية» يتناول طورها الحاضر وهو عندي أهم من أطوارها الماضية جميعا؛ لأن الخلاف بين الحبشة وإيطاليا وسواها كان خلافا محدودا، أما الخلاف اليوم فقد أضحى نزاعا دوليا أقلق بال العالم، وأقض المضاجع، وجعل من مصر ميدانا محتملا من ميادين القتال والحرب.
وقد وجب على مؤرخ «المسألة الحبشية» أن يؤرخ الطور الحالي لها، وأن لا يقنع - كما فعل المؤلفون المؤرخون الذين قرأنا كتبهم الجديدة - بالتاريخ الماضي فقط. •••
رأيت عندئذ البحث يتسع والموضوع يتشعب، وأن المسألة الحبشية لا بد أن تكون موضوع كتاب خاص، ولا يكفي لها أن تكون فصلا من فصول كتاب «السودان»، وأن أرجع إلى الصحف في تدوين الأخبار.
وقد حملني دقة البحث وتشعبه وما أصابني من مرض وإعياء بعد تأليف كتاب السودان ثم الإشراف على طبعه، على أن أدع وضع تاريخ للحبشة إلى فرصة أخرى.
وفيما كنت أذكر رأيي هذا أمام أخصائي، رأيت منهم إلحاحا في وجوب مواصلة المجهود وإخراج كتاب في المسألة الحبشية، ولو كان موجزا، على أن يكون البحث في التفاصيل الأخرى وحروب الحبشة موضوع كتاب أو كتب أخرى. وهأنذا أخرج هذا الكتاب شاملا المسألة الحبشية منذ القديم حتى أكتوبر سنة 1935، ومعها بيانات عن الحبشة وإدارتها والفاشستية، وعصبة الأمم، والغازات.
والله أرجو أن يوفقني إلى إفادة القراء، وأن يسبغ علي محبتهم ورضاءهم وعفوهم.
المؤلف
12 أكتوبر سنة 1935
Page inconnue