وقد أرسلت إيطاليا سفنا تحمل مستشفيات وسفنا للمواد الغذائية تكفي لستة أشهر، وأنشأت طرقا، وأقامت «كوندينسات» لتحويل ماء البحر المملح إلى ماء عذب.
وكتب مكاتب حربي في جريدة المنشستر غارديان مقالا في الخطة العسكرية التي يتوقع أن تجري عليها إيطاليا إذا نشبت الحرب في الحبشة، فقال: إن الحالة السياسية تقتضي من القيادة نصرا عسكريا سريعا حاسما، والوقت المحدد للفوز بذلك بين أكتوبر من هذه السنة وأبريل أو مايو من السنة القادمة؛ عندما تبدأ الأمطار في الهطول، فتصبح الأعمال العسكرية صعبة - إن لم نقل مستحيلة. فالهدف الذي ترمي إليه إيطاليا من الناحية العسكرية في الحدود الزمنية التي يفرضها جو الحبشة هو الوصول إلى خطة سكة الحديد قبل أبريل أو مايو سنة 1936، وعند الإيطاليين في الأريتريا والصومال 300 ألف رجل في الجيش والخدمات التابعة له وللإدارة، ثلثاهم بقيادة الجنرال ده بونو في الأريتريا والثلث الباقي في الصومال الإيطالي بقيادة الجنرال غرازياتي وهو تابع للجنرال ده بونو في القيادة العامة. وينتظر أن يبدأ الزحف في الصومال والأريتريا في وقت واحد وقد يتقدم الزحف من الأريتريا على الزحف من الصومال قليلا، ويكون الهدف الأول للزحف من الشمال عدوة، حيث وقعت المعركة المشهورة سنة 1896 التي خذل فيها الإيطاليون، ولا يظن أن جيشا من الأحباش يصمد للإيطاليين في الموقعة، فإذا فعل فالغالب أن الإيطاليين يفوزون عليه هناك فوزا حاسما.
يدعي الإمبراطور مزهوا أنه من سلالة سليمان وملكة سبأ، وهو يكنى بملك الملوك ورب الأرباب وأسد يهوذا، وهذا الأسد نفسه هو شارته الشخصية، والسيادة غير المؤكدة التي يمارسها في القبائل البعيدة التي يشكو الطليان منها مر الشكوى؛ هذه السيادة يمكن فهمها تماما إذا تذكرنا دائما ذلك الميل الطبيعي المركب في غريزة الحبشي من تجنب المضايقات الشخصية والحاجة إلى الطرق الصالحة والأنهر الملاحية وبطء تقدم التعليم كما فهم في العالم الغربي؛ ولهذا فإن الحبشي شجاع إلى حد التهور، شديد المراس، قوي الاحتمال، يحسن استخدام بندقيته، وهو صائد ماهر.
عند وضع الخطط لمقاومة الغارات الأجنبية ينبغي أن يحسب حساب نظام الرءوس الإقطاعي؛ فكل رأس يقدم حصته من الرجال قلوا أو كثروا، وكما هي الحال من الزعماء العرب فإن المنافسات الحقيرة والمشاجرات قد تتدخل في أساليب الحرب؛ فصغار الرءوس قد يتحركون لفض نزاع خاص أو مساعدة رأس صديق إذا كان في شدة.
من الصعب أن نقدر قوة الجيش الحبشي أو قيمته الحربية، ومع أن هذا الجيش يشمل فرقا من المدفعية والفرسان والمشاة؛ فإن الإنسان لا يسمع شيئا عن المهندسين، وهؤلاء في مثل هذه البلاد من ألزم اللزوميات؛ لكي يكون الجيش سريع النقل منظم التموين.
وبجانب الحرس الإمبراطوري يوجد الرجال الذين يقدمهم الرءوس، وهؤلاء قد يبلغ مجموعهم 200 أو 300 ألف، وبجانب هؤلاء أيضا التجنيد العام الذي قد يأتي بستمائة ألف أو 700 ألف أو أكثر منهم من الرجال. على أن هذين الصنفين الأخيرين غير نظاميين وليس لديهم بنادق حديثة، وهم يجيدون القتال في المعارك التي يلتحم فيها الفريقان، ولكن الفوز إنما يدرك بالمفاجآت كما حدث في «عدوة» في أول مارس سنة 1896، فهناك كان الجيش على أقسام وتعذر على الفرق المتصلة أن تتصل ببعضها حتى بالإشارة، وكان منليك سريعا في تبين النقطة الضعيفة في خط الدفاع الإيطالي، فمزق الفرق المتباعدة واحدة أثر أخرى، ثم حشد قواه أمام قوة القلب فأبادها بعد هجوم بقوة لا تدفع. «فعدوة» ذكرى فخار للأحباش وذكرى ألم للطليان، وهي ترتفع على مائة ميل للجنوب من أسمرة - أهم مواقع الأريتريا في الوقت الحاضر - وهذا يجعل من المحقق تقريبا أن أهم هجمة إيطالية ستوجه ضد «عدوة» وأن جيشا جانبيا يمكن أن يجعل قاعدته زولا، التي تبعد حوالي 30 ميلا جنوبي مصوع على الساحل، وقد كانت هذه قاعدة السير روبرت نابيير سنة 1868 وآثار طريقه إلى «سنافة» قد تكون موجودة، ويمكن تحسينها والعودة إلى استخدام الطريق حتى هذا المكان.
المسافة الجوية بين أسمرة وعدوة مائة ميل وعلى بعد أربعين ميلا شمال عدوة في هذا الخط يجري من الشرق للغرب نهر مريب، وهذا قد يبدو عقبة كأداء للتقدم الإيطالي حتى تنشأ طرق صالحة وتكون الطرق مكشوفة أمام المخافر الحبشية، وستكون جبهة القتال الحبشية بين أكسوم وأدجرات «الواقعة على 69 ميلا من زولا وطريق نابير» وطول الخط كله مارا بعدوة، أربعون ميلا مكشوفة بين أكسوم وعدوة «عشرة أميال»، وجبلي في بقية المسافة، وهذا يجعله صالحا للدفاع إذا أمكن أن تضمن منطقة لضرب النار عن كثب.
مسألة التموين عند الأحباش ذات أهمية كبرى، فإذا فرضنا أن قواتهم الجنوبية تجعل قاعدتها في جواندر على بعد 130 ميلا جنوب غرب أكسوم «بالجو»؛ فإن كل قطر التموين يجب أن تهبط إلى مصب نهر تا كازي «أكثر من 3000 قدم تحت الهضبة المجاورة»، وهذه مشكلة بالنسبة للمهندسين الأحباش، وكذلك فإن الأمطار تستمر من أبريل إلى أواسط سبتمبر. ومن ثم فإن أيا من الحبشيين لا يستطيع قبل الأسبوع الأول من أكتوبر أن يبدأ عملياته الحربية آمنا.
أما كون الإيطاليين جادين في أعمالهم الهندسية الهائلة؛ فدليله الأنباء التي ترد الآن عن مجهوداتهم في تحسين إنشاء الطرق الكثيرة، وفي مد الخطوط الحديدية إلى الأمام، وغيرها من سبل النقل. وهم يهيئون كذلك خزانات كبرى لا لخزن مياه الشرب بل لمياه الري أيضا، وهم يصنعون شبكة من الترع وقنوات المياه فوق هضبة أسمرة لرفع المحاصيل التي ينتفع بها الإنسان والحيوان. •••
سافرت من أديس أبابا ثلاثة قطارات تقل خمسة آلاف جندي نظامي وجهتها جهات هرر والأوجادين، كما قام «البيتودد مكونن» حاكم «لكمتي» على رأس عشرة آلاف جندي إلى الشمال، وقد كان منظر توديع الجنود لأهليهم وأولادهم مؤثرا، ولا سيما حينما أقبل الجنود على أولادهم يقبلونهم.
Page inconnue