الوجهُ الثّاني: في الجوابِ أنَّكَ إذا عنيتَ بكونهِ معلولًا كونَ وجودِهِ متوقِّفًا على الماهيّةِ؛ لم يكُنْ مُرادُكَ بلفظِ العِلّةِ العِلّةَ الفاعلةَ بل أعمَّ مِنَ الفاعليّةِ.
ولا ريبَ أنَّ لفظَ العِلّةِ يقعُ في اصطلاحِهم على الفاعلِ والغاية، وهما منفصلانِ عَنِ المعلول، ويقعُ في اصطلاحِهم على الصُّورةِ والمادّة، وما هوَ أعمُّ مِنَ المادّةِ؛ كالقابلِ المحلّ، وإنْ لم يُسمُّوهُ مادّةً، فالجواهرُ هيَ محالُّ الأعراض، وليسَتْ موادَّ لها، فيَنبغي أنْ يعبَّرَ باللَّفظِ الأعمّ، وهوَ القابلُ والمحلُّ، بل أعمُّ مِنْ ذلكَ الشَّرط، وحينئذٍ فإذا عَنَوْا بلفظِ العِلّةِ العِلّةَ الفاعلةَ كالغايةِ والشّرطِ ونحوِ ذلكَ، فهُم لا يُقيمونَ دليلًا على أنَّ الوجودَ الواجبَ لا يكونُ مَعلولًا بهذا التَّفسير، لا في كلامِ السّائل، ولا في كلامِ غيرِ السّائل، بَل ولا أحدَ مِنَ النّاسِ أقامَ دليلًا على أنَّ الوجودَ الواجبَ يَمتنعُ أنْ يكونَ لهُ مثل ذلكَ، وإنْ عُلِمَ انتفاءُ ذلكَ عنهُ فيكونُ بدليلٍ منفصلٍ، لا مِنْ جهةِ كونِ الوجودِ واجبًا.
وهؤلاءِ المتفلسِفةُ ليسَ لهم فيما يَعتمِدونَهُ مِنَ السَّلبِ والنَّفيِ والتَّنزيهِ والتَّوحيدِ إلّا ما يجعلونَهُ مِنْ لوازمِ الوجودِ الواجب، فجميعُ ما ينفونَهُ عنهُ إنَّما نفَوهُ؛ لأنَّ نفيَهُ يَستلزمُ عندَهم أَلَّا يكونَ واجبُ الوجودِ وجوب الواجبِ قد تحقَّقَ، فكُلُّ ما استلزمَ نَفيَ المحقَّقِ كانَ منتفِيًا، وكُلُّ ما لزِمَ مِنْ وجوب الوجودِ نفيُهُ كانَ منفِيًّا.
وبهذا نَفَوْا أنْ يكونَ مركَّبًا تركيبَ الصِّفاتِ كتركيبِ النَّوعِ مِنَ الجِنسِ والفَصلِ أو تركيبًا أعمَّ مِنْ ذلكَ كالتَّركيبِ مِنَ الخاصّةِ والعَرَضِ العامّ، أو
1 / 60