قال:"إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين فرقة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة - يعني الأهواء- كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة" ١. والله يا معشر العرب إن لم تقوموا بما جاء به نبيكم ﷺ لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به. وعن ابن مسعود ﵁ قال:"اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم، فكل بدعة ضلالة" ٢.
[جاء الله بالإسلام فألف به بين الناس]
ثم قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ أي: اذكروا ما أنعم به عليكم من الألفة والاجتماع على الإسلام، حين كنتم أعداء على شرككم، يقتل بعضكم بعضا، عصبية في غير طاعة الله ولا طاعة رسوله، فألف الله بين قلوبكم تواصلون بألفة الإسلام واجتماع كلمتكم عليه.
وذكر عن قتادة: كنتم تذابحون، يأكل شديدكم ضعيفكم، حتى جاء الله بالإسلام، فألف به بينكم، فوالله الذي لا إله إلا هو إن الألفة رحمة، وإن الفرقة لعذاب.
[معنى قوله تعالى: ﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾ ٣]
وقوله: ﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾ ٤ يقول تعالى: وكنتم على طرف جهنم بكفركم الذي كنتم عليه، فأنقذكم الله بالإيمان الذي هداكم به. وذكر عن قتادة في الآية: كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا، وأشقاه عيشا، وأبينه ضلالة، وأعراه جلودا، وأجوعه بطونا، مكفوفين على رأس حجر بين الأسدين: فارس والروم. لا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه. من عاش منهم عاش شقيا، ومن مات ردي في النار، يؤكلون ولا يأكلون. والله ما نعلم قبيلا يومئذ من حاضر الأرض كانوا فيها أصغر حظا، وأدق شأنا منهم. حتى جاء الله بالإسلام، فورثكم به الكتاب، وأحل به دار الجهاد، ووضع لكم به الرزق، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم. فاشكروا نعمه فإن ربكم منعم يحب الشاكرين؛ وإن أهل الشكر في مزيد من الله، فتعالى ربنا وتبارك.
[قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَهْتَدُون﴾
وقوله: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَهْتَدُون﴾ ٥ أي: يعرفكم في
_________
١ أبو داود: السنة ٤٥٩٧، وأحمد ٤/١٠٢، والدارمي: السير ٢٥١٨.
٢ الدارمي: المقدمة ٢٠٥.
٣ سورة آل عمران آية: ١٠٣.
٤ سورة آل عمران آية: ١٠٣.
٥ سورة آل عمران آية: ١٠٣.
1 / 421