وقد حكى الإجماع على تحريم الحرير على الذكور غير واحد من الأئمة إلا ما استثناه الشارع، كما في حديث عمر، وهو عند البخاري ومسلم وأهل السنن عن أبي عثمان النهدي:"أتانا كتاب عمر، ونحن مع عقبة بن فرقد بأذربيجان أن رسول الله ﷺ نهى عن الحرير إلا هكذا، وأشار بأصبعيه اللتين تليان الإبهام. قال: فيما علمنا أنه يعني الأعلام" ١ ولأبي داود في الحديث: "نهى عن الحرير إلا هكذا وهكذا، أصبعين أو ثلاثا أو أربعا" ٢. وبهذا الحديث احتج أهل العلم على أنه لا يباح من الحرير في الثوب ونحوه إلا مقدار أربع أصابع.
قال في الفروع: ويباح منه العلم إذا كان أربع أصابع مضمومة فأقل، ونص عليه. انتهى. وقال في المبدع: ويباح العلم الحرير، وهو طراز الثوب إذا كان أربع أصابع مضمومة فما دون، نص عليه وجزم به في المغني والشرح. وقال في الإنصاف: ويباح علم الحرير في الثوب إذا كان أربع أصابع فما دون.
وقال في جمع الجوامع: ولبنة الجيب وسجف الفراء كالعلم في الإباحة والقدر، وفي حاشية المنتهى على قول المصنف: لا فوق أربع أصابع، يعني أن ما ذكر من العلم والرقاع والسجف ولبنة الجيب أنها تباح إذا كان أربع أصابع معتدلة مضمومة فما دون، لا إن كان أكثر منها. انتهى. وهذا الذي ذكره هؤلاء كغيرهم من الفقهاء إنما هو فيما إذا كان الحرير منفردا متميزا سواء كان منسوجا في الثوب كالعلم، أو مجعولا فيه بعد النسج كلبنة الثوب والسجف، وسواء كان مفرقا أو مجموعا. وكذا إذا كان مشوبا بغيره على الصحيح المعتمد عند جمع من كبار الأئمة المحققين، كما صرح به شارح المنتقى، ونقله عن تقي الدين بن دقيق العيد.
قال الشارح: وقد عرفت مما سلف من الأحاديث الواردة في تحريم الحرير بدون تقييد، والظاهر منها تحريم ماهية الحرير، سواء وجدت منفردة أو مختلطة
_________
١ البخاري: اللباس ٥٨٢٨، ومسلم: اللباس والزينة ٢٠٦٩، والنسائي: الزينة ٥٣١٢، وأبو داود: اللباس ٤٠٤٢، وأحمد ١/١٥،١/٥٠.
٢ البخاري: اللباس ٥٨٢٨،٥٨٢٩، ومسلم: اللباس والزينة ٢٠٦٩، وأبو داود: اللباس ٤٠٤٢، وأحمد ١/٥١.
1 / 411