ذريعة قريبة إلى عبادتها، فتعظيمها بما لم يشرعه الله ورسوله غلو، والغلو أعظم وسائل الشرك.
والذي فهمه هذان السيدان الجليلان هو الذي فعله السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، فإن الثابت عنهم المتواتر أنهم كانوا إذا دخلوا المسجد صلوا على النبي ﷺ واكتفوا بذلك عن المجيء إلى قبره ﷺ؛ وذلك لعلمهم بما شرعه الله ورسوله. وكان ابن عمررضي الله عنهإذا قدم من سفر سلم على النبي ﷺ ثم على أبي بكر، ثم على أبيه، ثم انصرف.
فهذا حال الصحابة ﵃، وهم أشد الناس تمسكا بالسنة، وأعلم الناس بما يجوز وما لا يجوز.
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام -رحمهم الله تعالى-: ووجه الدلالة من هذا الحديث أن قبر النبي ﷺ أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيدا، فغيره أولى، قال: والعيد ما يعتاد قصده ومجيئه من مكان أو زمان.
[أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد]
قال العلامة ابن القيم ﵀: وقد حرف هذه الأحاديث بعض من أخذ شبها من اليهود بالتحريف، وشبها من النصارى بالشرك، مراغمة لما قصده الرسول ﷺ وقلبا للحقائق، ولا ريب أن ارتكاب كل كبيرة دون الشرك أقل إثما، وأخف عقوبة من تعاطي مثل ذلك في دينه وسنته. ولو أراد الرسول ﷺ بقوله:"لا تجعلوا قبري عيدا" ١ أمرا بملازمة قبره واعتياد قصده، لما نهى عن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، ولعن من فعل ذلك، ولما قال أعلم الخلق به: ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا. انتهى.
قلت: وفي هذه الأحاديث ما يبطل هذا التحريف الذي أشار إليه العلامة كتحريف شارح المشارق، فإن قوله ﷺ:"لا تتخذوا قبري
_________
١ أبو داود: المناسك ٢٠٤٢، وأحمد ٢/٣٦٧.
1 / 392