فظنوها بينات، فأضلوا كثيرا، وضلوا عن سواء السبيل.
وهذا هو الواقع لا يخفى على ذوي البصائر، وقد أنزل الله كتابه موعظة ﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ١ كما قال -تعالى-: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئا﴾ ٢ إلى قوله: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ ٣.
[النهي عن اتخاذ قبور الصالحين مساجد]
الوجه الثاني: أن رسول الله ﷺ حذر فيما تواتر عنه من النهي عن وسائل هذا التعلق والالتجاء بالأموات والرغبة إليهم، فنهى عن اتخاذ القبور مساجد، وصرح طوائف من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم كأصحاب مالك والشافعي بالتحريم لذلك.
وقد حكى شيخ الإسلام ﵀ الإجماع على التحريم لذلك، وهو الإمام الذي لا يجارى في ميدان معرفة الخلاف والإجماع، لما في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله: سمعت رسول الله ﷺ قبل أن يموت بخمس وهو يقول:" إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا. كما اتخذ إبراهيم خليلا. ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك" ٤.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال:" قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ٥، وفي رواية لمسلم:" لعن الله اليهود والنصارى" ٦ الحديث.
وفي الصحيحين عن عائشة وابن عباس ﵄ أن رسول الله ﷺ قال في مرضه: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ٧ يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا.
قوله:"خشي"تعليل لمنع إبراز قبره. فقد نهى ﷺ عن اتخاذ القبور مساجد
_________
١ سورة يونس آية: ٥٧.
٢ سورة الجاثية آية: ١٨، ١٩.
٣ سورة الجاثية آية: ١٩.
٤ مسلم: المساجد ومواضع الصلاة ٥٣٢.
٥ البخاري: الصلاة ٤٣٧، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة ٥٣٠، وأبو داود: الجنائز ٣٢٢٧، وأحمد ٢/٢٨٤،٢/٣٩٦،٢/٤٥٣،٢/٥١٨.
٦ مسلم: المساجد ومواضع الصلاة ٥٣٠، والنسائي: الجنائز ٢٠٤٧، وأحمد ٢/٢٤٦،٢/٢٨٥،٢/٣٦٦.
٧ مسلم: المساجد ومواضع الصلاة ٥٣٠، والنسائي: الجنائز ٢٠٤٧، وأحمد ٢/٢٤٦،٢/٢٨٥،٢/٣٦٦.
1 / 388