نص الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن برحمتك
قال أبو عبد الله محمدُ بنُ شَرَف القيرواني: هذه أحاديثُ صنعتُها مختلفة الأنواع، مُؤتلفة في الأسماع؛ عربيّات المَواشِم، غَريبات التراجم، واختلفتُ فيها أخبارًا فصَيحاتُ الكلام، بديعاتُ النظام؛ لها مَقاصدُ ظِراف، وأسانيد طِرَاف؛ يَروق الصغيرَ معناها، والكبيرَ مَغْزاها. وعزوْتُها إلى أبي الرِّيان الصَّلْت بن السّكْن، من سَلامات، وكان شيخًا هِمّا في اللسان، وبدرًا تِمًّا في البَيان؛ قد بقي أحقابا، ولقي أعقابا؛ ثم ألقتْه إلينا من باديته الأزمات، وأوردته علينا المعجزات، فمَتَحْنا من علمه بحرًا جاريًا، وقدحنا من فَهمه زَنْدًا واريا؛ وأدرنا مِن برّه طَرَفا، واجتنينا من ثمره طُرَفا؛ ونحن إذ ذاك والشباب مُقْتَبل، وغفلةُ الزمان تَهْتبل؛ واحتذيتُ فيما ذهبتُ إليه، ووقع تعرِيضي عليه؛ مِن بث هذه الأحاديث ما رأيتُ الأوائل قد وضعتْهن في كتاب كليلة ودمنة، فأضافوا حِكَمه إلى الطير الحوائم، ونَطقوا به على ألسنة الوَحش والبهائم، لتتعلق به شهواتُ الأحداث، وتُستعذب بسَمره ألفاظُ الحدّاث. وقد نحا بذا النحو سهل بن هارون الكاتب في تأليفه كتاب " النمر والثعلب ". وهو مشهور الحكايات، بديع المراسلات، مليح المكاتبات. وزوّرَ أيضًا بديعُ الزمان الحافظ الهمذاني، وهو الأستاذ أبو الفضل أحمد بن الحُسين مقاماتٌ كان يُنشئها بديهًا في أواخر مجالسه ويَنسبُها إلى رواية رواها له يُسميه عيسى بن هشام، وزعم أنه حدّثه بها عن بليغِ يُسميه أبا الفتح الإسكندري، وعددها، فيما يزعم رُواتها، عشرون مقامة. إلا أنها لم تصل هـ٠ذه العدّة إلينا، وهي مُتضمنة معانيَ مختلفة، ومَبنيّة على معاني شتى غير مؤتلفة؛ لينتفعَ بها من الكُتاب المحاضرين مَن صرفها من هَزل إلى جدّ، ومن ندّ إلى ضد.
فأقمت من هذا النحو عشرين حَديثًا، أرجو أن يتبيّن فضْلها، ولا تُقَصِّرُ عما قبلها. ولعمري ما أشكرُ من نفسي، ولا أُثني على شيءٍ من حسِّي، إلا ظَفَري بالأقل مما حاولتُه، على ما أضرمته نيرانُ الغربة من قلب، وثلمته صَعقات الفتنة من لُبِّي؛ وقطعتْ أهوال البر والبحر من خَواطري، وأضعفت الوحشةُ من غَرائزي وبصائري. لكنَّ نية القاصد وسَعة المقصود، أعانا ذا الودّ على إتحاف المَودود. والله أسأل توفيقًا، ينهج لنا إلى الرّشد طريقًا. فمنها: قال محمد: وجاريتُ أبا الريان في الشعر والشعراء ومنازلهم في جاهليتهم وإسلامهم، واستكشفته عن مَذهبه فيهم، ومَذاهب ءبقته في قديمهم وحديثهم. فقال: الشعراء أكثرُ من الإحصاء، وأشعارهم أبعد من شقة الاستقصاء. فقلت: لا أعنتك بأكثر من المشهورين، ولا أذاكرك إلا في المذكورين؛ مثل الضليل، والقتيل؛ ولبيد، وعبيد، والنوابغ والعشي، والأسود بن يعفر وصخر الغي؛ وابن الصمة دريد، والراعي عبيد، وزيد الخيل، وعامر بن الطُّفيل، والفرزدق وجرير، وجميل بن معمر وكثير، وابن جندل وابن مقبل، وجرول والأخطل؛ وحسان في هجائه ومَدحه، وغيلان في ميته وصيدحه؛ والهذلي بن ذُؤيب، وسحيم ونصيب؛ وابن حِلّزة الوائلي، وابن الرقاع العاملي، وعنترة العبسي، وزهير المري، وشعراء فزارة، ومفلقي بن زُرارة، وشعراء تغلب، ويثرب. وأمثال هذا النمط الأوسء كالرم÷اح، والطِرماح؛ والطثري والدميني، والكُميت الأسدي؛ وحميد الهلالي، وبشار العُقيلي؛ وابن ابي حفصة الأموي، ووالبة الأسديّ، وابن جَبلة الحلمي، وأبي نُواس الحكمي؛ وصريع الأنصاري، ودِعبل الخُزاعي؛ وابن جهم القُرشي، وحبيب الطائي، والوليد البحتري، وابن المُعتزّ العباسي؛ وعليّ بن العبّاس الرومي، وابن رغبان الحمصي، ومن الطبقة المتأخرة في الزمان، المتقدمة في الإحسان، كأبي فراس بن حمدان، والمتنبي بن عبدان؛ وابن جدار المصري، وابن الأحنف الحنفي، وكُشاجَم الفارسي، والصنوبريّ الحلي؛ ونصر الخبزرزّي، وابن عبد ربه القُرطبي؛ وابن هانيء الأندلسي، وعلي بن العباس الإيادي التُونسي، والقَسْطلي.
1 / 1