والسلاطين لئلا يدخل الخلل في قواعد المملكة والسلطنة فكل هذا من عدم التدبير في العواقب وكل من لم يتدبر في عواقب أمره يصيبه ما أصاب ابن آوى مع الحمار فقال الملك: صفه لنا فقال: إنه كان في جوار بعض البساتين لابن آوى وكر فكان يدخل كل يوم من مجرى الماء ويعبث في البساتين كيف ما اختار ويأكل من الأعشاب وطيب الفواكه ما أراد إلى أن عجز عنه البستاني فكان يرقب منه الفرصة. ففي بعض الأيام أحس به البستاني وهو في البستان يأكل الفواكه فبادر إلى مجرى الماء فسده عليه قم أقبل عليه بعصا وأثخنه ضربًا إلى أن كاد يهلك فطرح نفسه فحسبه قد مات فشحطه بذنبه ورماه خارج الحائط وفيه أدنى رمق فاستمر ملقى حتى تراجعت إليه نفسه فلما أفاق فكر في نفسه وكره المقام في ذلك الموضع وقال: إذا كان هذا الجار القديم لم يرع حق الجوار فلا فائدة لي بعد اليوم في جواره والرأي أن أرتحل ما دام لي القدرة على الرحيل فإنه لو عرف أن فيّ حياة ما أمهلني. ثم فكر إلى أين يرتحل وكان في بعض الغياض ذئب هو لأبيه صاحب قديم فقصده فلما رآه سلم عليه وتعرف بصحبة أبيه إليه فتلقاه بالترحيب وسأله عن أحواله فبكى بالأشواق وتذكر أنكاد الزمان وذكر له أحواله من أولها إلى آخرها فسكن الذئب ما به وأنشد:
أحيا بكم الإله وأحياكم ... ولا عدا الوابل مغناكم
فما رأينا بعدكم منظرًا ... مستحسنًا إلا ذكرناكم
ثم إن الذئب أراد أن يضيفه شيئًا وليس عنده ما يقدمه إليه فاستعد للصيد وعزم على التوجه وقال يتبع الفتى لؤم إذا أجاع ضيفه فسأله ابن آوى عن سبب حركته فأخبره بذلك فقال ابن آوى إن لي قريبًا في هذا المكان حمارًا بيني وبينه صداقة ولو تحيلت عليه
1 / 29