ولا شك أن العقلاء جميعا لا يقبلون واحدا من هذين الافتراضين، ولا يحتاجون في تفسيرهما إلى تفكير، بل يردون ذلك ببداهة عقولهم من غير تردد ولا تفكير ولا نظر، وحينئذ لم يبق أمام العقل إلا أن يصدق ويؤمن بأن له خالقا خلقه وسواه، وشق سمعه وبصره...الخ
وهكذا كلما يجده العاقل من المحدثات، فإن العقل يفترض ثلاثة تساؤلات في تفكيره لا غير:
هل حدثت هذه الأشياء من غير شيء؟
هل أحدثت هذه الأشياء أنفسها؟
أم أحدثها محدث؟
ولا يجد العقل افتراضا آخر يفترضه، بل يحتم عليه تفكيره أن
يختار واحدا من هذه الثلاثة التقادير، والافتراض الأخير وهو أنه أحدث هذه المحدثات محدث هو الذي يقبله العقل، ويطمئن إليه.
[المرحلة الثانية من التفكير]
بعد التصديق بأن هذه المحدثات قد أحدثها محدث، فإن العقل حتما ينتقل بتفكيره إلى الخالق الذي أحدثها فيؤمن ويصدق بأنه:
موجود، لأنه لا يقبل العقل بخالق معدوم.
حي، لأن الفعل لا يصدر من ميت بالضرورة.
قادر، وذلك لأن الفعل لا يصدر من عاجز.
عالم، وذلك أن الفعل المحكم المشتمل على غاية الإحكام والإتقان لا يصح ضرورة من جاهل.
Page 2