فأجبت بالنفي فقال: هي صحفية تحت التمرين. - وماذا يعنيني من ذلك؟
فقال ضاحكا: إنها عشيقة الدكتور زهير كامل! - زهير كامل! إنه شيخ في الستين أو أكثر. - ستسمع عن زواجهما في القريب.
وسمعت، وعرفت العروس وهي جميلة في العشرين، وركن الأستاذ معها إلى اللهو والراحة فلم يمسك بالقلم إلا لكتابة يومياته الأسبوعية في الموضوعات اليومية العامة، مقلعا عن مراجعة الكتب والمراجع، ولكن مرضه استفحل حتى أقعده بصفة نهائية في الفراش، فأطفأ الشعلة المضيئة الوحيدة في حياته المعتمة، شعلة العقل. وما زلنا نزوره من حين لآخر، فتدور المناقشات في حجرة نومه، ويشارك هو فيها بسمعه أو ببضع عبارات موجزة فقدت إشاراتها الذكية وأفكارها الموحية، لتذكرنا بأن لكل شيء نهاية.
سابا رمزي
زاملنا في المدرسة الثانوية. زاملنا عامين ثم اختفى، وبالرغم من أن زمالته ترجع إلى عام 1925 فما زلت أتذكر بوضوح عينيه اللوزيتين الحادتين، وقامته القصيرة لحد الرثاء، وكان رياضيا متفوقا في القسم المخصوص والكرة. كان الجناح الأيمن لبدر الزيادي، وكان تبادل الكرة بينهما يشكل خطرا على أي فريق نلاعبه؛ لذلك اكتسب في المدرسة شهرة واحتراما رغم قصر قامته، وكنا في أوقات الفراغ نقرأ المنفلوطي معا ونستظهر ما نختاره من جمله الموسيقية، وحدثته مرة عن روايات ميشيل زيفاكو فتجهم وجهه وسألني: أصدقت ما جاء في رواياته عن البابوات؟
فقلت ببراءة: ولم لا أصدقها؟
فقال بنبرة تحذير: إنه عدو للكاثوليكية، ولذلك فهو يتعمد تشويه سمعة البابا.
عرفت لأول مرة أسماء جديدة كالكاثوليكية، والبروتستنتية، والأرثوذكسية. وتحيرت بينها حتى أخبرني زميلنا ناجي مرقس أن المذهب المسيحي المصري هو الأرثوذكسية، وأن المبشرين أفسدوا بعض الأقباط فجروهم إلى اعتناق الكاثوليكية أو البروتستنتية. وراح جعفر خليل يداعب سابا رمزي قائلا: الآن عرفنا أنك قبطي فاسد!
وجعفر خليل هو الذي أفشى سره فقال لنا يوما: فيكم من يحفظ السر؟
فتساءلت أعيننا باهتمام فعاد يقول: الجناح الأيمن سابا رمزي يحب مدرسة بمدرسة العباسية للبنات!
Page inconnue