وكان مسئولا عن أم وأختين مطلقتين، فاستقبل أيام الحرب وارتفاع مستوى المعيشة وهو على تلك الحال. ولم يكن نادرا أن يقترب من عباس فوزي أو عبد الرحمن شعبان، ويقول ببساطة: من يعطيني قرشا أشتري به سندوتش فول وله الجزاء الأوفى في يوم القيامة؟
وكان إذا لمح أحدا من الأهالي في الممشى الخارجي بادر إليه فيسأله إن كان في حاجة إلى خدمة يؤديها له عن طيب خاطر. وفي الختام يسأله بلا حياء: هل أجد عندك سيجارة؟
وعطف الأستاذ عبد الرحمن شعبان عليه يوما، فقال للأستاذ عباس فوزي: حال فتحي تستحق النظر.
فصدق الرجل على قوله وقال: العين بصيرة واليد قصيرة!
فقال عبد الرحمن: أسعفوه بوظيفة يمكن أن تدر عليه رشوة!
فقال عباس فوزي باسما: يوجد فرص في المستخدمين والحسابات والمخازن والمشتريات ولكنه بدون مؤهلات.
فقال عبد الرحمن في شبه غضب: يوجد مديرون بالابتدائية. - أعني بالمؤهل الوساطة ويبدو أن أعظم من يعرف في الحياة هو عم صقر الساعي!
واهتدى إلى وسيلة يستغل بها منظره في مقاومة الجوع، فكان يتقدم إلى أسرة ما كخاطب، فيقابل بالترحيب من ناحية المبدأ حتى تتم الاستعلامات عنه، وفي الفترة الموضوع فيها تحت الاختبار يزور الأسرة فيستقبله رب البيت، ويتعمد البقاء حتى وقت الغداء أو العشاء، ولما يدعى للمائدة يلبي وهو يقول: لا يأبى الكرامة إلا لئيم.
ثم يأكل بوحشية وكأنما يخزن الطعام ليجتره بقية الأيام، وتجيء نتيجة الاستعلامات في غير صالحه طبعا، فيعتذرون من عدم قبوله، فيذهب وقد فاز ببضع أكلات خيالية، ويواصل غزواته في أحياء المدينة حتى تسربت أنباؤها إلى الموظفين فجعلوا منه نادرة تروى. وما ندري يوما إلا وهو يدخل علينا مرتديا جلبابا! وكان الأستاذ طنطاوي إسماعيل ما زال رئيسا للسكرتارية فاستدعاه وسأله: ما معنى ذلك يا فتحي أفندي؟
فقال ببساطة: البدلة استهلكت تماما، قلبتها منذ ثلاثة أعوام فلم يعد بها رمق، ولا أستطيع أن أشتري زرارا!
Page inconnue