فسألها عباس فوزي بنبرة لم تخل من عتاب: وكيف رضيت أن تتزوجيه وأنت على علم بحاله؟
فقال عبد الرحمن شعبان بغضب: تذكر أقوالك عن الحب.
فتراجع الرجل قائلا: حسن، وماذا حدث بعد ذلك؟ - سافرنا إلى الإسكندرية فمكثنا أسبوعا! - ثم ماذا؟
وهي تحاول تمالك أعصابها الباكية: طلقني أمس! - طلقك؟! - نعم. - لم؟ - قال إنه إذا استمرت العلاقة فستعرف، وإذا عرفت خسر كل شيء!
وهمس عم صقر في أذني: طريقة جديدة للعشق!
ونالت عبدة من العطف بقدر ما نالت من اللوم. وتطوع كثيرون لمساعدتها في إجراءات القضية الشرعية. ونما الخبر إلى الزوجة والباشا، واستدعى وكيل الوزراء - بإيعاز من الباشا - عبدة فوبخها واتهمها بإغواء الولد الأرعن وطالبها بالتنازل عن القضية في نظير أن يحفظ لها حقها، ولكنها صارحته بأنها حبلى، وبذلك تعقدت الأمور أكثر، ووضعت طفلة وكانت النفقة تقتطع لها من مرتب الشاب الصغير، والحق أن محمد العادل لم يكن شبع تماما من عبدة، وكانت هي من ناحيتها تحبه، وهي حقيقة لم تخف عن المجربين مثل عباس فوزي وعبد الرحمن شعبان، وعادت العلاقة بينهما، غير شرعية هذه المرة، وفي تكتم لم يدر به أحد منا، حتى فوجئنا ذات يوم بالوكيل يستدعي عبدة ومحمد، ويهددهما بالنقل إلى الأقاليم إذا لم يقطعا علاقتهما «الآثمة» في الحال. وحدث ذلك بحضور الباشا نفسه، وترامت الأصوات إلى السعاة فالتقط عم صقر الخبر وأذاعه بطريقته السادية، حتى اضطر الأستاذ عبد الرحمن شعبان إلى تذكيره بابنته الضائعة، فغادر الرجل الحجرة متقلص الوجه، ونقل محمد العادل بعد ذلك إلى وزارة الزراعة. وتزوجت عبدة من مقاول قبل أن تتربى ابنتها في بيته تحت شرط أن تقدم عبدة استقالتها، وقد فعلت. كان ذلك على عهد حرب فلسطين الأولى عام 1948، ومر على ذلك عشرون عاما حتى لقيت عبدة مصادفة في ميدان التحرير.
تصافحنا بحرارة، وكانت في الخمسين وبدينة جدا، وسرنا معا وهي تسأل عن الزملاء القدامى فحكيت لها ما كان من أمر عباس فوزي، ونهاية عبد الرحمن شعبان وقد تأسفت عليه بصدق، وحتى عم صقر أخبرتها بسوء مآله، أما هي فأخبرتني بأن زوجها توفي من عامين، وأنها أنجبت منه ثلاثة ذكور في كليات الطب والزراعة والاقتصاد، وأن ابنتها تزوجت من ضابط، ثم تساءلت: أتدري ما حصل لأبيها؟
ولكني كنت نسيته تماما فقالت: بعد تطبيق قانون الإصلاح الزراعي بعام واحد مات الباشا، ولم يبق لابنته إلا ما تستطيع أن تربي به أولادها، فامتنعت عن إعطاء زوجها أي نقود، فلم يستطيع ممارسة الحياة على المستوى الذي اعتاده، فاختلس وفصل من عمله، وهو يعيش الآن كالمتشردين، واضطر إلى العمل في الإسكندرية منادي سيارات!
ثم سألتني ونحن نتوادع: خبرني ماذا عن الموقف، حرب أم صلح؟
فبسطت راحتي في عجز عن الجواب وافترقنا.
Page inconnue