فهتفت بدهشة: الإخوان؟ .. لكنني عرفته سعديا متطرفا.
فقال متهكما: سبحان الذي يغير ولا يتغير!
وقابلته بعد ذلك بعام أو نحوه، أمام بار الأنجلو؛ فتصافحنا بحرارة، وسرنا معا نتحادث حتى جاء ذكر الثورة فقال بتحفظ: ثورة مباركة، ولكن من العسير أن تعرف ماذا يريدون.
ولمست في حديثه مرارة لم أقف على سرها ولم يبح به. كانت له قدرة على الاحتفاظ بأسراره ليست إلا لقلة نادرة من المصريين، وقلت له: بلغني أنك انضممت إلى الإخوان المسلمين؟
فابتسم ابتسامة غامضة وقال: أي مسلم عرضة لذلك! - من المؤسف حقا أنك نبذت النقد الأدبي.
فضحك قائلا: يا لها من تمنيات جاهلية!
وافترقنا وأنا أشعر بأننا لن نلتقي مستقبلا إلا مصادفة في الشوارع. وعند أول صدام بين الثورة والإخوان قبض عليه فيمن قبض عليهم من أعضاء الجماعة، وقدم للمحاكمة فحكم عليه بعشرة أعوام سجن. وغادر السجن عام 1956 فرأيت أن أزوره مهنئا، فذهبت إلى مسكنه بشارع خيرت، والحق أنه لم يتغير كثيرا، شاب شعر رأسه، كما يتوقع لرجل في السابع أو الثامن والخمسين من عمره، وزاد وزنه حتى خيل إلي أن صحته تحسنت عما كانت عليه. وتبادلنا الأسئلة عن الظروف والأحوال، وكان يحافظ على رزانته المعهودة وبرودة أعصابه الفذة، وخاض دون مقدمات في المسائل العامة فأدلى بآرائه بكل ثقة. - يجب أن يحل القرآن مكان كافة القوانين المستوردة.
وقال عن المرأة: على المرأة أن تعود إلى البيت، لا بأس من أن تتعلم، ولكن لحساب البيت لا الوظيفة، ولا بأس من أن تضمن لها الدولة معاشا في حال الطلاق أو فقد العائل.
وقال بقوة: الاشتراكية والوطنية والحضارة الأوروبية خبائث علينا أن نجتثها من نفوسنا.
وحمل على العلم حملة شعواء حتى ذهلت فسألته: حتى العلم؟! - نعم، لن نتميز به، نحن مسبوقون فيه، وسنظل مسبوقين مهما بذلنا، لا رسالة علمية لنا نقدمها للعالم، ولكن لدينا رسالة الإسلام وعبادة الله وحده لا رأس المال ولا المادية الجدلية.
Page inconnue