شَاءَ الله بل إذا صَحَّ الإجماع فقد بَطل الْخلاف وَلَا يبطل ذَلِك الإجماع أبدا
وَقوم قَالُوا من أَصْحَابنَا الإجماع لَا يكون إلا من تَوْقِيف من النَّبِي ﷺ
وَقوم قَالُوا الإجماع قد يكون من قِيَاس وَهَذَا بَاطِل
وَقوم قَالُوا الإجماع يكون من وَجْهَيْن إما من تَوْقِيف مَنْقُول إلينا مَعْلُوم وإما من دَلِيل من تَوْقِيف مَنْقُول إلينا مَعْلُوم وَلَكِن إذا صَحَّ الإجماع فَلَيْسَ علينا طلب الدَّلِيل إذ الْحجَّة بالإجماع قد لَزِمت وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح
وَقوم من أَصْحَابنَا قَالُوا إذا اتّفقت طَائِفَة على مَسْأَلَتَيْنِ فصح قَوْلهم فِي إحداهما بِدَلِيل وَجب أَن الأخرى صَحِيحَة وَهَذَا غير ظَاهر وَلَيْسَ لَهُ فِي الإجماع طَرِيق لما بَينته فِي غير هَذَا الْمَكَان
وَصفَة الإجماع هُوَ مَا تَيَقّن أَنه لَا خلاف فِيهِ بَين أحد من عُلَمَاء الإسلام ونعلم ذَلِك من حَيْثُ علمنَا الأخبار الَّتِي لَا يتخالج فِيهَا شكّ مثل أَن الْمُسلمين خَرجُوا من الْحجاز واليمن ففتحوا الْعرَاق وخراسان ومصر وَالشَّام وَأَن بني أُميَّة ملكوا دهرا طَويلا ثمَّ ملك بَنو الْعَبَّاس وَأَنه كَانَت وقْعَة صفّين والحرة وَسَائِر ذَلِك مِمَّا يعلم بِيَقِين وضرورة (١)
وإنما نعني بقولنَا الْعلمَاء من حفظ عَنهُ الْفتيا من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم وعلماء الْأَمْصَار وأئمة أهل الحَدِيث وَمن تَبِعَهُمْ ﵃ أَجْمَعِينَ
_________
(١) قال ابن تيمية في (نقد مراتب الإجماع)، ص ٢٨٧:
وقال ابن حزم أيضا في آخر كتابه (كتاب الإجماع): هذا كل ما كتبنا، فهو يقين لا شك فيه، مُتَيَقَّنٌ لا يَحِلُّ لِأَحدٍ خلافُه البتة
قلت (أي ابن تيمية): فقد اشترط في الإجماع ما يشترطه كثير من أهل الكلام والفقه كما تقدم:
وهو العلم بنفي الخلاف، وأن يكون العلم بالإجماع تواترا.
وجعل العلم بالإجماع من العلوم الضرورية، كالعلم بعلوم الأخبار المتواترة عند الأكثرين.
ومعلوم أن كثيرا من الإجماعات ⦗٢٨٨⦘ التي حكاها ليست قريبةً من هذا الوصف، فضلا عن أن تكون منه، فكيف وفيها ما فيه خلاف معروف! وفيها ما هو نفسه ينكر الإجماع فيه ويختار خلافَه من غير ظهورِ مخالف!.
1 / 12