وهذا كله لا يكفي؛ لأنه لا يزيد على أنه ترقية للعقول وتزكية للأفهام، وويل للعلم بشئون الدين وحقائقه إذا لم يتجاوز العقول والأفهام إلى القلوب والأمزجة، ويؤثر في الضمائر أعمق التأثير، ويؤثر في السيرة الظاهرة لهم أعمق التأثير أيضا.
وقد عرضت في هذا الحديث صورة إن تكن شديدة الإيجاز، فإنها شديدة الوضوح لحياة النبي
صلى الله عليه وسلم
وأصحابه رحمهم الله.
فلو لم يكن لهذا الحديث أثر إلا أن يقرأه الناس، ويجتهدوا ما استطاعوا في أن يحملوا أنفسهم على أن يسيروا في أمور دينهم ودنياهم سيرة النبي وأصحابه والصالحين من المسلمين، وينفوا عن أنفسهم وعقولهم وقلوبهم ما أصابها من التقليد والجمود، وما استقر فيها من السخف والأوهام. لو لم يكن لهذا الحديث أثر إلا هذا لكان قد بلغ بعض ما أردت، حين أخذت في إملائه، وصدق الشاعر القديم حين قال:
وما أدري إذا يممت أمرا
أريد الخير أيهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه
أم الشر الذي هو يبتغيني
والله يعصمنا من الشر ويوفقنا إلى الخير، وهو قد قال في كتابه العزيز:
Page inconnue