فلما ادلهم الليل، وتهورت النجوم، وهدأت الأصوات، وسكنت الرجل، إذا جانب البيت قد رفع. فقال: من هذا؟ فولى. حتى إذا قلت قد أسحرنا أو كدنا عاد. فقال: من هذا؟ قالت: جارتك فلانة يا أبا عدي، وما وجدت على أحد معولا غيرك. أتيتك من عند أصبية يتعاوون عواء الذئاب من الجوع. قال: أعجليهم علي.
قالت النوار: [فوثبت] فقلت: ماذا صنعت، والله لقد تضاغى أصبيتك فما وجدت ما تعللهم به، فكيف بهذه وبولدها؟.
فقال: اسكتي، فوالله لأشبعنك وإياهم إن شاء الله.
فأقبلت تحمل اثنين، ويمشي جنبتيها أربعة، كأنما نعامة حولها رئالها. فقام إلى فرسه، فوجأ بحربته في لبتها، ثم قدح زنده وأورى ناره، ثم جاء بمدية فكشط عن جلده، ثم دفع المدية إلى المرأة فقال: دونك. ثم قال: ابعثي صبيانك. فبعثتهم. ثم قال: [سوءة]! تأكلون شيئا دون أهل الصرم؟.
فجعل يطوف فيهم حتى هبوا وأقبلوا عليه، والتفع بثوبه، ثم اضطجع ناحية ينظر إلينا. لا والله ما ذاق مزعة، وإنه لأحوجهم إليه. وأصبحنا وما على الأرض منه إلا عظم أو حافر!.
Page 63