228

Marah Labid

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد

Chercheur

محمد أمين الصناوي

Maison d'édition

دار الكتب العلمية - بيروت

Numéro d'édition

الأولى - 1417 هـ

Genres

Tafsir

التفاوت في الميل القلبي لأن ذلك خارج عن وسعكم ولكنكم منهيون عن إظهار ذلك التفاوت في القول والفعل فتذروها كالمعلقة أي فتبقى الأخرى لا أيم ولا ذات بعل. كما أن الشيء المعلق لا يكون على الأرض ولا على السماء وفي قراءة أبي فتذروها كالمسجونة وإن تصلحوا ما مضى من ميلكم وتتداركوه بالتوبة وتتقوا في المستقبل عن مثله غفر الله لكم ذلك فإن الله كان غفورا رحيما (129) فيغفر ما حصل في القلب من الميل إلى بعضهن دون البعض ويتفضل عليكم برحمته وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته أي وإن رغبا في المفارقة بأن لم يتفقا بصلح أو غيره يغن الله كل واحد منهما عن صاحبه بزوج خير من زوجه الأول يعيش أهنأ من عيشه الأول من غناه تعالى وقدرته وكان الله واسعا أي في العلم والقدرة والرحمة والفضل والجود حكيما (130) أي متقنا في أفعاله وأحكامه

ولله ما في السماوات وما في الأرض من الموجودات من الخلائق والخزائن فيهما ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله أي ولقد أمرنا اليهود والنصارى ومن قبلهم من الأمم وأمرناكم يا أمة محمد في كتابكم بطاعة الله وهي وصية الله في الأولين والآخرين فهي شريعة عامة لجميع الأمم لم يلحقها نسخ وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا (131) أي وقلنا لهم ولكم: إن تكفروا فاعملوا أن لله ما في سماواته وما في أرضه من أصناف المخلوقات من يعبده وكان مع ذلك غنيا عن خلقهم وعن عباداتهم ومستحقا لأن يحمد لكثرة نعمه، وإن لم يحمده أحد منهم فهو تعالى في ذاته محمود سواء حمدوه أو لم يحمدوه فلا يتضرر بكفرهم ومعاصيهم، كما لا ينتفع بشكرهم وتقواهم، وإنما وصاهم بالتقوى لرحمته لا لحاجته، فهو منزه عن طاعات المطيعين، وعن ذنوب المذنبين فلا يزداد جلاله بالطاعات ولا ينقص بالمعاصي والسيئات ولله ما في السماوات وما في الأرض من الخلائق قاطبة مفتقرون إليه في الوجود وسائر النعم المتفرعة عليه لا يستغنون عن فيضه طرفة عين. فحقه أن يطاع ولا يعصى، ويتقى عقابه ويرجى ثوابه وكفى بالله وكيلا (132) في تدبير أمور الكل وكل الأمور فلا بد من أن يتوكل عليه لا على أحد سواه إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين أي إن يشأ إفناءكم بالكلية وإيجاد قوم آخرين يشتغلون بعبوديته وتعظيمه، يفنكم

بالمرة ويوجد مكانكم قوما خيرا منكم وأطوع لله. وكان الله على ذلك أي إهلاككم وتخليف غيركم قديرا (133) أي إن إبقاءكم على ما أنتم عليه من العصيان إنما هو لكمال غناه عن طاعتكم ولعدم تعلق إرادته باستئصالكم لا لعجزه تعالى عن ذلك من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة أي من كان يريد بعمله منفعة الدنيا فلا يقتصر عليه وليطلب الثوابين فعند الله ثواب الدارين.

وقال الفخر الرازي: تقرير الكلام، فعند الله ثواب الدنيا والآخرة له إن أراده الله تعالى وعلى هذا التقدير يتعلق الجزاء بالشرط. وقال ابن عباس: من كان يريد منفعة الدنيا بعمله الذي

Page 233