Marah Labid
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
Chercheur
محمد أمين الصناوي
Maison d'édition
دار الكتب العلمية - بيروت
Numéro d'édition
الأولى - 1417 هـ
Genres
وسعهم واعتصموا بحبل الله وهو دين الإسلام أو بكتابه وهو القرآن جميعا أي مجتمعين في الاعتصام
لقوله صلى الله عليه وسلم: «القرآن حبل الله المتين لا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد، من قال به صدق ومن عمل به رشد، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم»
«1» . ولا تفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم لأن الحق لا يكون إلا واحدا وما عداه يكون ضلالا واذكروا نعمت الله عليكم نعمة دنيوية وأخروية إذ كنتم في الجاهلية أعداء يبغض بعضكم بعضا ويحارب بعضكم بعضا فألف بين قلوبكم أي قذف الله فيها المحبة بتوفيقكم للإسلام فأصبحتم بنعمته أي فصرتم بدينه الإسلام إخوانا في الدين وكنتم على شفا حفرة من النار أي على طرفها، أي وكنتم قريبين من الوقوع في نار جهنم لكفركم إذ لو أدرككم الموت على تلك الحالة لوقعتم فيها. فليس بين الحياة والموت المستلزم للوقوع في الحفرة إلا ما بين طرف الشيء الذي هو مثل الحياة، وبين ذلك الشيء الذي هو مثل الموت فأنقذكم منها أي فأنجاكم من تلك الحفرة بأن هداكم للإسلام كذلك أي مثل البيان المذكور يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون (103) أي لكي تهتدوا من الضلالة ولتكن منكم أمة أي ولتوجد منكم جماعة يقتدي بها فرق الناس يدعون الناس إلى الخير فأفضل الدعوة هي دعوة إلى إثبات ذات الله وصفاته وتقديسه عن مشابهة الممكنات ويأمرون بالمعروف والآمر بالمعروف تابع للمأمور به إن كان واجبا فواجب، وإن كان مندوبا فمندوب وينهون عن المنكر فالنهي عن الحرام واجب كله لأن تركه واجب وهذه الأمور من فروض الكفايات- لأنها لا تليق إلا من العالم بالحال- وسياسة الناس حتى لا يوقع المأمور أو المنهي في زيادة الفجور فإن الجاهل ربما دعا إلى الباطل وأمر بالمنكر، ونهى عن المعروف وقد يغلظ في موضع اللين ويلين في موضع الغلظة وأولئك هم المفلحون (104) أي المختصون بكمال الفلاح.
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه
«2» . ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا أي تفرقوا بالعداوة واختلفوا في الدين، أو تفرقوا بأبدانهم بأن صار كل واحد من أولئك الأحبار رئيسا في بلد، ثم اختلفوا بأن صار كل واحد منهم يدعي أنه على الحق، وأن صاحبه على الباطل. قال الفخر الرازي: إنك إذا أنصفت علمت أن أكثر علماء هذا الزمان صاروا موصوفين بهذه الصفة. فنسأل الله العفو والرحمة
Page 144